المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٩٠
الْفَضْلُ الْكَبِيرُ
[الشورى : ٢٢]، فالآية التي في هذه السورة خبر والتي في حم عسق [الشورى : ١] تفسير لها، وقوله تعالى : وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ نهي له عن السماع منهم في أشياء كانوا يطلبونها مما لا يجب وفي أشياء كانوا يدخلونها مدخل النصائح وهي غش إلى نحو هذا المعنى، وقوله تعالى :
وَدَعْ أَذاهُمْ يحتمل معنيين : أحدهما أن يأمره بترك أن يؤذيهم هو ويعاقبهم فكأن المعنى واصفح عن زللهم ولا تؤذهم فالمصدر على هذا مضاف إلى المفعول، ونسخ من الآية على هذا التأويل ما يخص الكافرين وناسخه آية السيف، والمعنى الثاني أن يكون قوله وَدَعْ أَذاهُمْ بمعنى أعرض عن أقوالهم وما يؤذونك به، فالمصدر على هذا التأويل مضاف إلى الفاعل، وهذا تأويل مجاهد.
ثم أمره تعالى بالتوكل عليه، وأنسه بقوله وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا، ففي قوة الكلام وعد بنصر وتقدم القول في كَفى بِاللَّهِ، والوكيل الحافظ القائم على الأمر، ثم خاطب تعالى المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء، واستدل بعض الناس بقوله ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ وبمهلة ثم على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، وأن من طلق المرأة قبل نكاحها وإن عينها فإن ذلك لا يلزمه، وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام، سمى البخاري منهم اثنين وعشرين، وقالت طائفة عظيمة من أهل العلم : إن طلاق المعينة الشخص أو القبيل أو البلد لازم قبل النكاح، فمنهم مالك وجميع أصحابه وجمع عظيم من علماء الأمة، وقرأ جمهور القراء «تمسوهن»، وقرأ حمزة والكسائي وطلحة وابن وثاب «تماسوهن» والمعنى فيهما الجماع وهذه العدة إنما هي لاستبراء الرحم وحفظ النسب في الحمل، فمن لم تمس فلا يلزم ذلك فيها، وقرأ جمهور الناس «تعتدّونها» بشد الدال على وزن تفتعلونها من العدد، وروى ابن أبي بزة عن أبي بكر «تعتدونها» بتخفيف ضمة الدال من العدوان، كأنه قال فما لكم عدة تلزمونها عدوانا وظلما لهن، والقراءة الأولى أشهر عن أبي بكر، وتخفيف الدال وهم من ابن أبي بزة، ثم أمر تعالى بتمتيع المطلقة قبل البناء، واختلف الناس في المتعة، فقالت فرقة هي واجبة، وقالت فرقة هي مندوب إليها منهم مالك وأصحابه، وقالت فرقة المتعة للتي لم يفرض لها ونصف المهر للتي فرض لها، وقال سعيد بن المسيب : بل المتعة كانت لجميعهن بهذه الآية، ثم نسخت آية البقرة بالنصف لمن فرض لها ما تضمنته هذه الآية من المتعة.
وهذه الآية خصصت آيتين إحداهما، والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، فخصصت هذه الآية من لم يدخل بها، وكذلك خصصت من ذوات الثلاثة الأشهر، وهن من قعدن عن المحيض، ومن لم يحضن من صغر المطلقات قبل البناء، و«السراح الجميل» هو الطلاق تتبعه عشرة حسنة وكلمة طيبة دون مشادة ولا أذى.
قوله عز وجل :


الصفحة التالية
Icon