المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٩٨
تعالى الملائكة مع نفسه في ضمير وذلك جائز للبشر فعله، ولم يقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «بئس الخطيب أنت» لهذا المعنى وإنما قاله لأن الخطيب وقف على «و من يعصهما» وسكت سكتة، ومما يؤيد هذا أن في كلام النبي صلى اللّه عليه وسلم في مصنف أبي داود «و من يعصهما» فجمع ذكر اللّه تعالى مع رسوله في ضمير، ومما يؤيد القول الأول أن في كتاب مسلم «بئس الخطيب أنت قل ومن يعص اللّه ورسوله».
قال القاضي أبو محمد : وهذا يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له «بئس الخطيب أنت» (أصلح له بعد ذلك جميع كلامه لأن فصل ضمير اسم اللّه تعالى من ضمير غيره أولى لا محالة فقال له :
«بئس الخطيب أنت» لموضع) خطأه في الوقف وحمله على الأولى في فصل الضميرين. وإن كان جمعهما جائزا، وقرأ الجمهور «و ملائكته» بنصب التاء عطفا على المكتوبة، وقرأ ابن عباس «و ملائكته» رفعا عطفا على الموضع قبل دخول إِنَّ وفي هذا نظر، وصلاة اللّه رحمة منه وبركة، وصلاة الملائكة دعاء، وصلاة المؤمنين دعاء وتعظيم، والصلاة على رسول اللّه في كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه، وقال عليه السلام :«أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود» وصفتها ما ورد عنه عليه السلام في كتاب الطبري من طريق ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية قال له قوم من الصحابة : هذا السلام عليك يا رسول اللّه قد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ قال :«قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد» وفي بعض الروايات زيادة ونقص هذا معناه، وقرأ الحسن «يا أيها الذين آمنوا فصلوا عليه» وهذه الفاء تقوي معنى الشرط أي صلى اللّه فصلوا أنتم، كما تقول أعطيتك فخذ، وفي حرف عبد اللّه «صلوا عليه كما صلى اللّه عليه وسلموا تسليما»، وقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ الآية، قال الجمهور معناه بالكفر ونسبة الصاحبة والولد والشريك إليه ووصفه بما لا يليق به، وفي الحديث قال اللّه شتمني عبدي فقال إن لي ولدا وكذبني فقال إنه لن يبعث، وقال عكرمة معناه بالتصوير والتعريض لفعل ما لا يفعله إلا اللّه بنحت الصور وخلقها، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«لعن اللّه المصورين»، وقالت فرقة ذلك على حذف مضاف تقديره يؤذون أولياء اللّه، وإذاية الرسول هي بما يؤذيه من الأقوال في غير معنى واحد من الأفعال أيضا، قال ابن عباس نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت
حيي.
قال الفقيه الإمام القاضي : والطعن في تأمير أسامة إذاية له عليه السلام، ولعنوا معناه أبعدوا من كل خير، وإذاية المؤمنين والمؤمنات هي أيضا بالأفعال والأقوال القبيحة والبهتان والكذب الفاحش المختلف، وروي أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال يوما لأبيّ بن كعب : إني قرأت هذه الآية البارحة ففزعت منها وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الآية واللّه إني لأضربهم وأنهرهم، فقال له : اي يا أمير المؤمنين لست منهم إنما أنت معلم ومقوم، وذكر أبو حاتم أن عمر بن الخطاب قرأ «إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات» ثم قال يا أبي كيف تقرأ هذه الآية فقرأها كما قال عمر.


الصفحة التالية
Icon