المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٢٣
قوله عز وجل :
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)
لما ذكر تعالى المؤمنين العاملين الصالحات وذكر ثوابهم عقب بذكر ضدهم وذكر جزائهم ليظهر تباين المنازل، وقرأت فرقة «معاجزين» (و قرأت فرقة معجزين)، وقد تقدم تفسيرها في صدر السورة، ومُحْضَرُونَ من الإحضار والإعداد، ثم كرر القول ببسط الرزق وقدره تأكيدا وتبيينا وقصد به هاهنا رزق المؤمنين وليس سوقه على المعنى الأول الذي جلب للكافرين، بل هذا هنا على جهة الوعظ والتزهيد في الدنيا والحض على النفقة في الطاعات، ثم وعد بالخلف في ذلك وهو بشرط الاقتصاد والنية في الطاعة ودفع المضرات وعد منجز إما في الدنيا وإما في الآخرة، وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«قال اللّه لي أنفق أنفق عليك» وفي البخاري أن ملكا ينادي كل يوم اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول ملك آخر : اللهم أعط ممسكا تلفا، وقال مجاهد المعنى إن كان خلف فهو موليه وميسره، وقد لا يكون الخلف، وأما قوله خَيْرُ الرَّازِقِينَ فمن حيث يقال في الإنسان إنه يرزق عياله، والأمير جنده، لكن ذلك من مال يملك عليهم واللّه تعالى من خزائن لا تفنى ومن إخراج من عدم إلى وجود، وقرأ الأعمش «و يقدّر» بضم الياء وشد الدال.
قوله عز وجل :
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣)
هذه آية وعيد للكفار، والمعنى واذكر يوم نحشرهم، وقرأ جمهور القراء «نحشرهم جميعا ثم نقول» بالنون فيهما، ورواها أبو بكر عن عاصم، وقرأ حفص عن عاصم «و يوم يحشرهم جميعا ثم يقول» بالياء فيهما، وذكرها أبو حاتم عن أبي عمرو، والقول للملائكة هو توقيف تقوم منه الحجة على الكفار عبدتهم وهذا نحو قوله تعالى لعيسى عليه السلام أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [المائدة : ١١٦] وإذا قال اللّه تعالى للملائكة هذه المقالة قالت الملائكة سُبْحانَكَ أي تنزيها لك عما فعل هؤلاء الكفرة، ثم برؤوا أنفسهم بقولهم أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ يريدون البراءة من أن يكون لهم رضى أو علم أو مشاركة في أن يعبدهم البشر، ثم قرروا أن البشر إنما عبدت الجن برضى الجن وبإغوائها للبشر فلم تنف الملائكة عبادة البشر