المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٢٤
إياها وإنما قررت أنها لم تكن لها في ذلك مشاركة، ثم ذنبت الجن، وعبادة البشر للجن هي فيما نعرفه نحن بطاعتهم إياهم وسماعهم من وسوستهم وإغوائهم، فهذا نوع من العبادة، وقد يجوز إن كان في الأمم الكافرة من عبد الجن، وفي القرآن آيات يظهر منها أن الجن عبدت في سورة الأنعام وغيرها، ثم قال تعالى : فَالْيَوْمَ وفي الكلام حذف تقديره فيقال لهم أي من عبد ومن عبد اليوم لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً، وقوله وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا ذكر اللّه تعالى في هذه الآية أقوال الكفرة وأنواع كلامهم عند ما يقرأ عليهم القرآن ويسمعون حكمته وبراهينه البينة، فقائل طعن على النبي صلى اللّه عليه وسلم بأنه يقدح في الأوثان ودين الآباء، وقائل طعن عليه بأن هذا القرآن مفترى أي مصنوع من قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم ويدعي أنه من عند اللّه، وقائل طعن عليه بأن ما عنده من الرقة واستجلاب النفوس واستمالة الأسماع إنما هو سحر به يخلب ويستدعى، تعالى اللّه عن أقوالهم وتقدست شريعته عن طعنهم.
قوله عز وجل :
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)
معنى هذه الآية أنهم يقولون بآرائهم في كتاب اللّه فيقول بعضهم سحر، وبعضهم افتراء، وذلك منهم تسور لا يستندون فيه إلى إثارة علم ولا إلى خبر من يقبل خبره، فإنا ما آتيناهم كتبا يدرسونها ولا أرسلنا إليهم نذيرا فيمكنهم أن يدعوا أن أقوالهم تستند إلى أمره، وقرأ جمهور الناس «يدرسونها» بسكون الدال، وقرأ أبو حيوة «يدّرسونها» بفتح الدال وشدها وكسر الراء - والمعنى وما أرسلنا من نذير يشافههم بشيء ولا يباشر أهل عصرهم ولا من قرب من آبائهم، وإلا فقد كانت النذارة في العالم وفي العرب مع شعيب وصالح وهود ودعوة اللّه وتوحيده قائم لم تخل الأرض من داع إليه، فإنما معنى هذه الآية مِنْ نَذِيرٍ يختص بهؤلاء الذين بعثناك إليهم، وقد كان عند العرب كثير من نذارة إسماعيل، واللّه تعالى يقول : إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيّا ولكن لم يتجرد للنذارة وقاتل عليها إلا محمد صلى اللّه عليه وسلم، ثم مثل لهم بالأمم المكذبة قبلهم، وقوله وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ يحتمل ثلاثة معان : أحدها أن يعود الضمير في بَلَغُوا على قريش، وفي آتَيْناهُمْ على الأمم الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، والمعنى من القوة والنعم والظهور في الدنيا، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، والثاني أن يعود الضمير في بَلَغُوا على الأمم المتقدمة وفي آتَيْناهُمْ على قريش، والمعنى من الآيات والبينات والنور الذي جئتهم به، والثالث أن يعود الضميران على الأمم المتقدمة، والمعنى من شكر النعمة وجزاء المنة و«المعشار»، ولم يأت هذا البناء إلا في الشعرة والأربعة فقالوا : مرباع ومعشار وقال قوم : المعشار عشر العشر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ليس بشيء، والنكير مصدر كالإنكار في المعنى وكالعديد في الوزن


الصفحة التالية
Icon