المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٥١
قرأ الجمهور «و مالي» بفتح الياء، وقرأ الأعمش وحمزة بسكون الياء، وقد تقدم مثل هذا، وقوله تعالى : وَما لِيَ تقرير لهم على جهة التوبيخ في هذا الأمر الذي يشهد العقل بصحته أن من فطر واخترع وأخرج من العدم إلى الوجود فهو الذي يستحق أن يعبد، ثم أخبرهم بأنهم يحشرون إليه يوم القيامة، ثم وقفهم أيضا على جهة التوبيخ على اتخاذ الآلهة من دون اللّه تعالى، وهي لا ترد عن الإنسان المقادير التي يريدها اللّه تعالى به لا بقوة منها ولا بشفاعة، وقرأ طلحة السمان وعيسى الهمداني «أن يردني» بياء مفتوحة، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو، ثم صدع رضي اللّه تعالى عنه بإيمانه وأعلن فقال إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ واختلف المفسرون في قوله فَاسْمَعُونِ فقال ابن عباس وكعب ووهب : خاطب بها قومه.
قال القاضي أبو محمد : على جهة المبالغة والتنبيه، وقيل خاطب بها الرسل على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ عندهم، وقرأ الجمهور «فاسمعون» بكسر النون على نية الياء بعد ها وروى أبو بكر عن عاصم «فاسمعون» بفتح النون قال أبو حاتم : هذا خطأ لأنه أمر، فإما حذف النون وإما كسرها على نية الياء.
قال القاضي أبو محمد : وهنا محذوف تواترت به الأحاديث والروايات، وهو أنهم قتلوه، . واختلف كيف، فقال قتادة وغيره : رجموه بالحجارة، وقال عبد اللّه بن مسعود : مشوا عليه بأقدامهم حتى خرج قصبه من دبره، فقيل له عند موته ادْخُلِ الْجَنَّةَ وذلك واللّه أعلم بأن عرض عليه مقعده منها، وتحقق أنه من ساكنيها برؤيته ما أقر عينه، فلما تحصل له ذلك تمنى أن يعلم قومه بذلك، وقيل أراد بذلك الإشفاق والتنصح لهم، أي لو علموا بذلك لآمنوا باللّه تعالى، وقيل أراد أن يعلموا ذلك فيندموا على فعلهم به ويحزنهم ذلك، وهذا موجود في جبلة البشر إذا نال خيرا في بلد غربة ود أن يعلم ذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم ولا سيما في الكرامات، ونحو من ذلك قول الشاعر :
والعز مطلوب وملتمس وأحبه ما نيل في الوطن
قال القاضي أبو محمد : والتأويل الأول أشبه بهذا العبد الصالح، وفي ذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم «نصح قومه حيا وميتا»، وقال قتادة بن دعامة : نصحهم على حالة الغضب والرضى، وكذلك لا تجد المؤمن إلا ناصحا للناس، و«ما» في قوله تعالى : بِما يجوز أن تكون مصدرية أي بغفران ربي لي، ويجوز أن تكون بمعنى الذي، وفي غفر ضمير عائد محذوف قال الزهراوي : ويجوز أن يكون استفهاما، ثم ضعفه.
قوله عز وجل :
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢٨ الى ٣٢]
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢)