المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٥٢
هذه مخاطبة لمحمد صلى اللّه عليه وسلم فيها توعد لقريش إذ هذا هو المروع لهم من المثال، أي ينزل بهم من عذاب اللّه ما نزل بقوم حبيب النجار، فنفى عز وجل، أي أنه ما أنزل على قوم هذا الرجل مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ، فقال مجاهد : أراد أنه لم يرسل رسولا ولا استعتبهم، قال ابن مسعود : أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند من جنود اللّه تعالى كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك بل كانت صيحة واحدة لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك، قال قتادة : واللّه ما عاتب اللّه تعالى قومه بعد قتله حتى أهلكهم، واختلف المتأولون في قوله وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ، فقالت فرقة ما كُنَّا مُنْزِلِينَ، ما نافية وهذا يجري مع التأويل الثاني في قوله، ما أَنْزَلْنا مِنْ جُنْدٍ، وقالت فرقة وَما عطف على جُنْدٍ أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم قبل ذلك، وقرأ الجمهور «إلا صيحة» بالنصب على خبر «كان»، أي ما كان عذابهم إلا صيحة واحدة، وقرأ أبو جعفر ومعاذ بن الحارث «إلا صيحة» بالرفع، وضعفها أبو حاتم، والوجه فيها أنها ليست «كان» التي تطلب الاسم والخبر، وإنما التقدير ما وقعت أو حدثت إلا صيحة واحدة، وقرأ ابن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود إلا زقية «و هي الصيحة» من الديك ونحوه من الطير، وخامِدُونَ ساكنون موتى لاطئون بالأرض شبهوا بالرماد الذي خمدت ناره وطفئت، وقوله يا حَسْرَةً نداء لها على معنى هذا وقت حضورك وظهورك هذا تقدير نداء مثل هذا عند سيبويه، وهو معنى قويم في نفسه، وهو نداء منكور على هذا القراءة، قال الطبري : المعنى «يا حسرة العباد على أنفسهم»، وذكر أنها في بعض القراءات كذلك، وقال ابن عباس :«يا ويلا العباد»، وقرأ ابن عباس والضحاك وعلي بن الحسين ومجاهد وأبي بن كعب «يا حسرة العباد»، بإضافتها، وقول ابن عباس حسن مع قراءته، وتأويل الطبري في ذلك القراءة الأولى ليس بالبين وإنما يتجه أن يكون
المعنى تلهفا على العباد، كأن الحال يقتضيه وطباع كل بشر توجب عند سماعه حالهم وعذابهم على الكفر وتضييعهم أمر اللّه تعالى أن يشفق ويتحسر على العباد، وقال أبو العالية : المراد ب الْعِبادِ الرسل الثلاثة، فكأن هذا التحسر هو من الكفار حين رأوا عذاب اللّه تلهفوا على ما فاتهم، وقوله تعالى : ما يَأْتِيهِمْ الآية، يدافع هذا التأويل، والحسرة التلهفات التي تترك صاحبها حسيرا، وقرأ الأعرج بن جندب وأبو الزناد «يا حسرة» بالوقف على الهاء وذلك للحرص على بيان معنى التحسر وتقريره للنفس، والنطق بالهاء في مثل هذا أبلغ في التشفيق وهز النفس كقولهم : أوه ونحوه، وقوله ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ الآية، تمثيل لفعل قريش ثم عناهم بقوله أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ، وكَمْ هنا خبرية، وأَنَّهُمْ بدل منها، والرؤية رؤية البصر، وفي قراءة ابن مسعود «أو لم يروا من أهلكنا»، وقرأ جمهور القراء «أنهم» بفتح الألف، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «إنهم» بكسرها، وقرأ جمهور الناس «لما جميع» بتخفيف الميم وذلك على زيادة «ما» للتأكيد، والمعنى لجميع، وقرأ الحسن وابن جبير وعاصم «لمّا» بشد الميم، قالوا هي منزلة منزلة «إلا»، وقيل المراد «لمما» حذفت الميم الواحدة وفيها ضعف، وفي حرف أبيّ و«إن منهم إلا جميع»، ومُحْضَرُونَ قال قتادة : محشرون يوم القيامة.