المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٥٦
قوله عز وجل :
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠)
الضمير في قوله لَهُمْ لقريش، وسبب الآية أن الكفار لما أسلم حواشيهم من الموالي وغيرهم من المستضعفين قطعوا عنهم نفقاتهم وجميع صلاتهم وكان الأمر بمكة أولا فيه بعض الاتصال في وقت نزول آيات الموادعة فندب أولئك المؤمنون قرابتهم من الكفار إلى أن يصلوهم وينفقوا عليهم مما رزقهم اللّه، فقالوا عند ذلك أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ قال الرماني : ونسوا ما يجب من التعاطف وتآلف المحقين، وقالت فرقة : بل سبب الآية أن قريشا شحت بسبب أزمة على المساكين جميعا، مؤمن وغير مؤمن وندبهم النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى النفقة على المساكين فقالوا هذا القول، وقولهم يحتمل معنيين من التأويل :
أحدهما يخرج على اختيارات لجهال العرب، فقد روي أن أعرابيا كان يرعى إبله فجعل السمان في الخصب والمهازيل في المكان الجدب فقيل له في ذلك فقال : أكرم ما أكرم اللّه وأهين ما أهان اللّه، فيخرج قول قريش على هذا المعنى كأنهم رأوا الإمساك عمن أمسك اللّه عنه رزقه، ومن أمثالهم «كن مع اللّه كالمدبر»، والتأويل الثاني أن يكون كلامهم بمعنى الاستهزاء بقول محمد صلى اللّه عليه وسلم إن ثم إلها هو الرزاق فكأنهم قالوا لم لا يرزقهم إلهك الذي تزعم أي نحن لا نطعم من لو يشاء هذا الإله الذي زعمت أطعمه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كما يدعي إنسان أنه غني ثم يحتاج إلى معونتك في مال فتقول له على جهة الاحتجاج والهزء به أتطلب معونتي وأنت غني أي على قولك، وقوله تعالى : إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يحتمل أن يكون من قول الكفرة للمؤمنين، أي في أمركم لنا في نفقة أموالنا وفي غير ذلك من دينكم، ويحتمل أن يكون من قول اللّه عز وجل للكفرة استئناف وزجرهم بهذا، ثم حكى عنهم على جهة التقرير عليهم قولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ أي متى يوم القيامة الذي تزعم، وقيل أرادوا متى هذا العذاب الذي تهددنا به وسموا ذلك وعدا من حيث قيدته قرائن الكلام أنه في شر والوعد متى ورد مطلقا فهو في خير وإذا قيدته بقرينة الشر استعمل فيه، والوعيد دائما إنما هو في الشر، ويَنْظُرُونَ معناه ينتظرون، وما نافية، وهذه الصيحة هي صيحة القيامة والنفخة الأولى في الصور رواه عبد اللّه بن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وفي حديث أبي هريرة أن بعدها نفخة الصعق ثم نفخة الحشر وهي التي تدوم، فما لها من فواق، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعرج وشبل وابن القسطنطين المكي «يخصّمون» بفتح الياء والخاء وشد الصاد المكسورة، وأصلها يختصمون نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء الساكنة في الصاد، وقرأ نافع وأبو عمرو أيضا «يخصّمون» بفتح الياء وسكون الخاء وشد الصاد المكسورة وفي هذه القراءة جمع بين الساكنين ولكنه جمع ليس بجمع محض ووجهها أبو علي، وأصلها يختصمون حذفت


الصفحة التالية
Icon