المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٨٠
كان في موضع إيقاد النار، وقيل بل كان للمنجنيق الذي رمي عنه وقد تقدم قصص نار إبراهيم وجعلهم اللّه الْأَسْفَلِينَ، بأن غلبوا وذلوا ونالتهم العقوبات قوله عز وجل :
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩٩ الى ١٠٢]
وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)
قالت فرقة : إن قول إبراهيم إِنِّي ذاهِبٌ كان بعد خروجه من النار، وإنه أشار بذهابه إلى هجرته من أرض بابل حيث كانت مملكة نمرود فخرج إلى الشام ويروى إلى بلاد مصر، وقالت فرقة : قوله إِنِّي ذاهِبٌ ليس مراده به الهجرة كما في آية أخرى وإنما مراده لقاء اللّه بعد الاحتراق ولأنه ظن أن النار سيموت فيها، فقال هذه المقالة قبل أن يطرح في النار، فكأنه قال إني سائر بهذا العمل إلى ربي، وهو سيهديني إلى الجنة، نحا إلى هذا المعنى قتادة، وللعارفين بهذا الذهاب تمسك واحتجاج في الصفاء وهو محمل حسن في إِنِّي ذاهِبٌ وحده، والأول أظهر من نمط الآية بما بعده، لأن الهداية معه تترتب، والدعاء في الولد كذلك، ولا يصح مع ذهاب الفناء، وقوله مِنَ الصَّالِحِينَ مِنَ للتبعيض أي ولدا يكون في عداد الصالحين، وقوله فَبَشَّرْناهُ قال كثير من العلماء منهم العباس بن عبد المطلب وقد رفعه وعلي وابن عباس وابن مسعود وكعب وعبيد بن عمرو هي البشارة المعروفة بإسحاق وهو الذبيح وكان أمر ذبحه بالشام، وقال عطاء ومقاتل ببيت المقدس، وقال بعضهم بل بالحجاز، جاء مع أبيه على البراق وقال ابن عباس والبشارة التي بعد هذه في هذه الآية هي بشارة بنبوته كما قال تعالى في موسى وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [مريم : ٥٣] وهو قد كان وهبه له قبل ذلك، فإنما أراد النبوءة، فكذلك هذه، وقالت هذه الفرقة في قول الأعرابي : يا بن الذبيحين أراد إسحاق والعم أب، وقيل إنه أمر بذبحه بعد ما ولد له يعقوب، فلم يتعارض الأمر بالذبح مع البشارة بولده وولد ولده، وقالت فرقة : هذه البشارة هي بإسماعيل وهو الذبيح وأمر ذبحه كان بالحجاز بمنى ثم رمى إبراهيم الشيطان بالجمرات وقبض الكبش حين أفلت له وسن السنن.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ابن عباس أيضا وابن عمرو وروي عن الشعبي والحسن ومجاهد ومعاوية بن أبي سفيان ورفعه معاوية إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ومحمد بن كعب وبه كان أبي رضي اللّه عنه يقول، ويستدل بقول الأعرابي للنبي صلى اللّه عليه وسلم : يا بن الذبيحين، وبقوله صلى اللّه عليه وسلم «أنا ابن الذبيحين» يعني إسماعيل وعبد اللّه أباه، ويستدل بأن البشارة اقترنت بأن من ورائه يعقوب، فلو قيل له في صباه اذبحه لناقض ذلك البشارة بيعقوب، ويستدل بظاهر هذه الآية أنه بشر بإسماعيل، وانقضى أمر ذبحه ثم بشر بإسحاق بعد ذلك، وسمعته رضي اللّه عنه يقول كان إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم يجيء من الشام إلى مكة على البراق زائرا ويعود من يومه وقد ذكر ذلك الثعلبي عن سعيد بن جبير ولم يذكر