المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٩٥
الآية : أم لهم هذا الملك فتكون النبوءة والرسالة على اختيارهم ونظرهم فليرتقوا في الأسباب إن كان الأمر كذلك، أي إلى السماء، قاله ابن عباس. والْأَسْبابِ : كل ما يتوصل به إلى الأشياء، وهي هنا بمعنى الحبال والسلاليم. وقال قتادة : أراد أبواب السماء.
وقوله تعالى : جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ اختلف المتأولون في الإشارة ب هُنالِكَ إلى ما هي؟
فقالت فرقة : أشار إل الارتقاء في الأسباب، أي هؤلاء القوم إن راموا ذلك جند مهزوم، وهذا قوي. وقالت فرقة : الإشارة ب هُنالِكَ إلى حماية الأصنام وعضدها، أي هؤلاء القوم حند مهزوم في هذه السبيل. وقال مجاهد : الإشارة ب هُنالِكَ، إلى يوم بدر، وكان غيب أعلم اللّه به على لسان رسوله، أي جند المشركين يهزمون، فخرج في بدر. وقالت فرقة : الإشارة إلى حصر عام الخندق بالمدينة.
وقوله : مِنَ الْأَحْزابِ أي من جملة أحزاب الأمم الذين تعصبوا في الباطل وكذبوا الرسل فأخذهم اللّه تعالى. وما، في قوله : جُنْدٌ ما زائدة مؤكدة وفيها تخصيص.
واختلف المتأولون في قوله : ذِي الْأَوْتادِ، فقال ابن عباس وقتادة سمي بذلك لأنه كانت له أوتاد وخشب يلعب له بها وعليها. وقال السدي : كان يقتل الناس بالأوتاد، يسمرهم في الأرض بها. وقال الضحاك : أراد المباني العظام الثابتة، وهذا أظهر الأقوال، كما يقال للجبال أوتاد لثبوتها، ويحتمل أن يقال له ذو أوتاد عبارة عن كثرة أخبيته وعظم عساكره، ونحو من هذا قولهم : أهل العمود.
وقرأت فرقة :«ليكة». وقرأت فرقة :«الأيكة»، وقد تقدم القول في شرح ذلك في سورة الشعراء، ثم أخبر تعالى أن هؤلاء المذكورين هم الأحزاب، وضرب بهم المثل لقريش في أنهم كذبوا، ثم أخبر أن عقابه حق على جميعهم، أي فكذلك يحق عليكم أيها المكذبون بمحمد وفي قراءة ابن مسعود :«إن كل لما». وحكى أبو عمرو الداني إن فيها :«إن كلهم إلا كذب».
قوله عز وجل :
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٥ الى ٢٠]
وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩)
وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠)
يَنْظُرُ بمعنى ينتظر، وهذا إخبار من اللّه لرسوله صدقه الوجود، ف «الصيحة» على هذا عبارة عن جميع ما نابهم من قتل وأسر وغلبة، وهذا كما تقول : صاح فيهم الدهر. وقال قتادة : توعدهم بصيحة القيامة والنفخ في الصور. قال الثعلبي : روي هذا التفسير مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم. وقالت طائفة : توعدهم بصيحة يهلكون بها في الدنيا، وعلى هذين التأويلين فمعنى الكلام أنهم بمدرج عقوبة


الصفحة التالية
Icon