المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٢٧
وواحد الينابيع وهو العين بني لها بناء مبالغة من النبع. والزرع هنا واقع على كل ما يزرع. وقالت فرقة : أَلْوانُهُ أعراضه من الحمرة والصفرة وغير ذلك. وقالت فرقة : أَلْوانُهُ أنواعه من القمح والأرز والذرة وغير ذلك. و: يَهِيجُ ييبس، هاج النبات والزرع إذا يبس، ومنه قول علي رضي اللّه عنه في الحديث الذي في غريب ابن قتيبة : ذمتي رهينة وأنا به زعيم. أي لا يهيج عن التقوى زرع قوم، ولا ييبس على التقوى سنخ أصل، والحديث. والحطام : اليابس المتفتت. ومعنى قوله : لَذِكْرى أي للبعث من القبور وإحياء الموتى على ما يوجبه هذا المثال المذكور.
قوله عز وجل :
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣)
روي أن هذه الآية : أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ آية نزلت في علي وحمزة، وأبي لهب وابنه هما اللذان كانا من القاسية قلوبهم، وفي الكلام محذوف يدل الظاهر عليه، تقديره : أفمن شرح اللّه صدره كالقاسي القلب المعرض عن أمر اللّه. وشرح الصدر : استعارة لتحصيله للنظر الجيد والإيمان باللّه.
و«النور» هداية اللّه تعالى، وهي أشبه شيء بالضوء. قال ابن مسعود : قلنا يا رسول اللّه كيف انشراح الصدر؟ قال :«إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح»، قالوا وما علامة ذلك؟ قال :«الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل الموت». و«القسوة» : شدة القلب، وهي مأخوذة من قسوة الحجر، شبه قلب الكافر به في ضلالته وقلة انفعاله للوعظ. وقال مالك بن دينار : ما ضرب العبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، ويدل قوله : فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ على المحذوف المقدر.
وقوله تعالى : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يريد به القرآن، وروي عن ابن عباس أن سبب هذه الآية أن قوما من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا : يا رسول اللّه حدثنا بأحاديث حسان وأخبرنا بأخبار الدهر، فنزلت الآية في ذلك.
وقوله : مُتَشابِهاً معناه : مستويا لا تناقض فيه ولا تدافع، بل يشبه بعضه بعضا في وصف اللفظ ووثاقة البراهين وشرف المعاني، إذ هي اليقين في العقائد في اللّه تعالى وصفاته وأفعاله وشرعه.
وقوله : مَثانِيَ معناه : موضع تثنية للقصص والأقضية، والمواعظ شتى فيه ولا تمل مع ذلك ولا يعرضها ما يعرض الحديث المعاد. قال ابن عباس : ثنى فيه الأمر مرارا. ولا ينصرف مَثانِيَ لأنه جمع لا نظير له في الواحد.