المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٤٠
الليلة من الخزائن» والحقيقة في هذا غير بعيدة، لكنه ليس باختزان حاجة ولا قلة قدرة كما هو اختزان البشر. وقال عثمان رضي اللّه عنه سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فقال :«لا إله إلا اللّه واللّه أكبر وسبحان اللّه والحمد للّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير».
وقوله : أَفَغَيْرَ منصوب ب أَعْبُدُ، كأنه قال : أفغير اللّه أعبد فيما تأمروني؟ ويجوز أن يكون نصبه ب تَأْمُرُونِّي على إسقاط أن، تقديره أفغير اللّه تأمروني أن أعبد.
وقرأت فرقة :«تأمرونني» بنونين، وهذا هو الأصل. وقرأ ابن كثير :«تأمرونّي» بنون مشددة مكسورة وياء مفتوحة. وقرأ ابن عامر :«تأمروني» بياء ساكنة ونون مكسورة خفيفة، وهذا على حذف النون الواحدة وهي الموطئة لياء المتكلم، ولا يجوز حذف النون الأولى وهو لحن لأنها علامة رفع الفعل، وفتح نافع الياء على الحذف فقرأ :«تأمروني» وقرأ الباقون بشد النون وبسكون الياء.
وقوله تعالى : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ الآية، قالت فرقة : في الآية تقديم وتأخير كأنه قال :«لقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك»، وقالت فرقة : الآية على وجهها، المعنى :«و لقد أوحي إلى كل نبي لئن أشركت ليحبطن عملك». وحبط : معناه : بطل وسقط، وبهذه الآية بطلت أعمال المرتد من صلاته وحجه وغير ذلك.
قوله عز وجل :
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٦ الى ٦٨]
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)
المكتوبة : نصب بقوله : فَاعْبُدْ. وقوله تعالى : وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ معناه : وما عظموا اللّه حق عظمته ولا وصفوه بصفاته، ولا نفوا عنه ما لا يليق به.
واختلف الناس في المعنى بالضمير في قوله : قَدَرُوا قال ابن عباس : نزل ذلك في كفار قريش الذين كانت هذه الآيات كلها محاورة لهم وردا عليهم. وقالت فرقة : نزلت الآية في قوم من اليهود تكلموا في صفات اللّه تعالى وجلاله، فألحدوا وجسموا وأتوا كل تخليط، فنزلت الآية فيهم، وفي الحديث الصحيح :
أنه جاء حبر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجلس إليه، فقال له النبي عليه السلام حدثنا، فقال : إن اللّه عز وجل إذا كان يوم القيامة جعل السماوات على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع، والماء والشجر على أصبع، وجميع الخلائق على أصبع، ثم يهزهن فيقول : أنا الملك، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا له، ثم قرأ هذه الآية.