المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٥٢
قوله عز وجل :
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١٨ الى ٢١]
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٢١)
أمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم بالإنذار للعالم والتحذير من يوم القيامة وأهواله، وهو الذي أراد ب يَوْمَ الْآزِفَةِ، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد : ومعنى الْآزِفَةِ : القريبة، من أزف الشيء إذا قرب، والْآزِفَةِ في الآية صفة لمحذوف قد علم واستقر في النفوس هوله، فعبر عنه بالقرب تخويفا، والتقدير :
يوم الساعة الآزفة أو الطامة الآزفة ونحو هذا فكما لو قال : وأنذرهم الساعة لعلم هولها بما استقر في النفوس من أمرها، فكذلك علم هنا إذا جاء بصفتها التي تقتضي حلولها واقترابها.
وقوله : إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ معناه : عند الحناجر، أي قد صعدت من شدة الهول والجزع، وهذا أمر يحتمل أن يكون حقيقة يوم القيامة من انتقال قلوب البشر إلى حناجرهم وتبقى حياتهم، بخلاف الدنيا التي لا تبقى فيها لأحد مع تنقل قلبه حياة، ويحتمل أن يكون تجوزا عبر عما يجده الإنسان من الجزع وصعود نفسه وتضايق حنجرته بصعود القلب، وهذا كما تقول العرب : كادت نفسي أن تخرج، وهذا المعنى يجده المفرط الجزع كالذي يقرب للقتل ونحو.
وقوله : كاظِمِينَ حال مما أبدل منه قوله : إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ أو مما تنضاف إليه القلوب، لأن المراد إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، وهذا كقوله تعالى : تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [القمر : ٨] أراد تشخص فيه أبصارهم، والكاظم : الذي يرد غيظه وجزعه في صدره، فمعنى الآية أنهم يطمعون برد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم. ثم أخبرهم تعالى أن الظالمين ظلم الكفر في تلك الحال ليس لهم حميم، أي قريب يحتم لهم ويتعصب، ولا لهم شفيع يطاع فيهم، وإن هم بعضهم بالشفاعة لبعض فهي شفاعة لا تقبل، وقد روي أن بعض الكفرة يقولون لإبليس يوم القيامة : اشفع لنا، فيقوم ليشفع، فتبدو منه أنتن ريح يؤذي بها أهل المحشر، ثم ينحصر ويكع ويخزى. و: يُطاعُ في موضع الصفة ل شَفِيعٍ، لأن التقدير : ولا شفيع يطاع، وموضع يُطاعُ يحتمل أن يكون خفضا حملا على اللفظ، ويحتمل أن يكون رفعا عطفا على الموضع قبل دخول مِنْ.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ.
وقوله : يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ متصل بقوله : سَرِيعُ الْحِسابِ [غافر : ١٧] لأن سرعة حسابه تعالى