المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٥٣
للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكرة ولا لشيء مما يحتاجه الحاسبون. وقالت فرقة :
يَعْلَمُ متصل بقوله : لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [غافر : ١٦]، وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية وكثرة الحائل. والخائنة : مصدر كالخيانة، ويحتمل في الآية أن يكون خائِنَةَ اسم فاعل، كما تقول : ناظرة الأعين إذا خانت في نظرها. وهذه الآية عبارة عن علم اللّه تعالى بجميع الخفيات، فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين أو النظرة التي تفهم معنى، أو يريد بها صاحبها معنى، ومن هذا قول النبي صلى اللّه عليه وسلم حين جاءه عبد اللّه بن أبي سرح ليسلم بعد ردته بشفاعة عثمان، فتلكأ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم بايعه، ثم قال عليه السلام لأصحابه :«هلا قام إليه رجل حين تلكأت عليه فضرب عنقه؟»، فقالوا يا رسول اللّه : ألا أومأت إلينا؟ فقال عليه السلام :«ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين». وفي بعض الكتب المنزلة من قول اللّه عز وجل : أنا مرصاد الهمم، أنا العالم بمجال الفكر وكسر الجفون. وقال مجاهد : خائِنَةَ الْأَعْيُنِ : مسارقة النظر إلى ما لا يجوز. ثم قوى تعالى هذه الأخبار بأنه يعلم ما تخفي الصدور مما لم يظهر على عين ولا غيرها، ومثل المفسرون في هذه الآية بنظر رجل إلى امرأة هي حرمة لغيره، فقالوا خائِنَةَ الْأَعْيُنِ : هي النظرة الثانية. وَما تُخْفِي الصُّدُورُ : أي عند النظرة الأولى التي لا يمكن المرء دفعها، وهذا المثال جزء من خائِنَةَ الْأَعْيُنِ.
ثم قدح في جهة الأصنام، فأعلم أنه لا رب غيره يَقْضِي بِالْحَقِّ، أي يجازي الحسنة بعشر والسيئة بمثل، وينصف المظلوم من الظالم إلى غير ذلك من أقضية الحق والعدل، والأصنام لا تقضي بشيء ولا تنفذ أمرا. و: يَدْعُونَ معناه : يعبدون.
وقرأ جمهور القراء :«يدعون» بالياء على ذكر الغائب. وقرأ نافع بخلاف عنه. وأبو جعفر وشيبة :
«تدعون» بالتاء على معنى قل لهم يا محمد : والذين تدعون أنتم.
ثم ذكر تعالى لنفسه صفتين بين عرو الأوثان عنهما وهي في جهة اللّه تعالى عبارة عن الإدراك على إطلاقه، ثم أحال كفار قريش وهم أصحاب الضمير في يَسِيرُوا على الاعتبار بالأمم القديمة التي كذبت أنبياءها فأهلكها اللّه تعالى.
وقوله : فَيَنْظُرُوا يحتمل أن يجعل في موضع نصب جواب الاستفهام، ويحتمل أن يكون مجزوما عطفا على يَسِيرُوا. و: كَيْفَ في قوله : كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ خبر كانَ مقدم، وفي كَيْفَ ضمير، وهذا مع أن تكون كانَ الناقصة. وأما إن جعلت تامة بمعنى حدث ووقع، ف كَيْفَ ظرف ملغى لا ضمير فيه.
وقرأ ابن عامر وحده :«أشد منكم» بالكاف، وكذلك هي في مصاحف الشام، وذلك على الخروج من غيبة إلى الخطاب. وقرأ الباقون :«أشد منهم» وكذلك هي في سائر المصاحف، وذلك أوفق لتناسب ذكر الغيب.
والآثار في ذلك : هي المباني والمآثر والصيت الدنياوي، وذنوبهم كانت تكذيب الأنبياء. والواقي :
الساتر المانع، مأخوذ من الوقاية.


الصفحة التالية
Icon