المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١١٨
ابتداء كلام، ف طاعَةٌ على هذا القول : ابتداء، وخبره : لَهُمْ والمعنى أن ذلك منهم على جهة الخديعة، فإذا عزم الأمر ناقضوا وتعاصوا.
وقوله : عَزَمَ الْأَمْرُ استعارة كما قال :
قد جدت الحرب بكم فجدوا ومن هذا الباب : نام ليلك ونحوه.
وقوله : صَدَقُوا اللَّهَ يحتمل أن يكون من الصدق الذي هو ضد الكذب، ويحتمل أن يكون من قولك عود صدق، والمعنى متقارب.
وقوله تعالى : فَهَلْ عَسَيْتُمْ مخاطبة لهؤلاء الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي قل لهم يا محمد.
وقرأ نافع وأهل المدينة «عسيتم» بكسر السين. وقرأ أبو عمرو والحسن وعاصم وأبو جعفر وشيبة :
«عسيتم» بفتح السين، والفتح أفصح، لأنه من عسى التي تصحبها «أن». والمعنى : فهل عسى أن تفعلوا إِنْ تَوَلَّيْتُمْ غير أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ، وكأن الاستفهام الداخل على عسى غير معناها بعض التغيير كما يغير الاستفهام قولك : أو لو كان كذا وكذا. وقوله : إِنْ تَوَلَّيْتُمْ معناه : إن أعرضتم عن الحق. وقال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب اللّه ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرحمن.
وقرأ جمهور القراء :«إن توليتم» والمعنى : إن أعرضتم عن الإسلام. وقال كعب الأحبار ومحمد بن كعب القرظي المعنى : إن توليتم أمور الناس من الولاية، وعلى هذا قيل إنها نزلت في بني هاشم وبني أمية، ذكره الثعلبي. وروى عبد اللّه بن مغفل عن النبي عليه السلام :«إن وليتم» بواو مضمومة ولام مكسورة. قرأ علي بن أبي طالب :«إن تولّيتم» بضم التاء والواو وكسر اللام المشددة على معنى : إن وليتكم ولاية الجور فملتم إلى دنياهم دون إمام العدل، أو على معنى : إن توليتم بالتعذيب والتنكيل وأفعال العرب في جاهليتها وسيرتها من الغارات والسباء، فإنما كانت ثمرتها الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم، وقيل معناها : إن توليكم الناس ووكلكم اللّه إليهم.
وقرأ جمهور الناس :«و تقطّعوا» بضم التاء وشد الطاء المكسورة. وقرأ أبو عمرو :«و تقطعوا» بفتح التاء والطاء المخففة، وهي قراءة سلام ويعقوب.
وقوله تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ إشارة إلى مرضى القلوب المذكورين. و: لَعَنَهُمُ معناه : أبعدهم. وقوله : فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ استعارة لعدم سمعهم فكأنهم عمي وصم.
قوله عز وجل :
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٤ الى ٢٨]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨)