المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١١٩
قوله تعالى : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ توقيف وتوبيخ، وتدبر القرآن : زعيم بالتبيين والهدى.
و: أَمْ منقطعة وهي المقدرة ببل وألف الاستفهام.
وقوله تعالى : أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها استعارة للرين الذي منعهم الإيمان. وروي أن وفد اليمن وفد على النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيهم شاب، فقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية، فقال الفتى عليها أقفالها حتى يفتحها اللّه ويفرجها، قال عمر : فعظم في عيني، فما زالت في نفس عمر رضي اللّه عنه حتى ولي الخلافة فاستعان بذلك الفتى.
وقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ الآية، قال قتادة : إنها نزلت في قوم من اليهود كانوا قد عرفوا من التوراة أمر محمد عليه السلام وتبين لهم الهدى بهذا الوجه، فلما باشروا أمره حسدوه فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى. وقال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم. والآية تعم كل من دخل في ضمن لفظها غابر الدهر. و: سَوَّلَ معناه : أرجاهم سولهم وأمانيهم، وقال أبو الفتح عن أبي علي أنه بمعنى : دلاهم، مأخوذ من السول : وهو الاسترخاء والتدلي.
وقرأ جمهور القراء :«و أملى لهم» وأمال ابن كثير وشبل وابن مصرف :«أملى». وفاعل أَمْلى هنا :
قال الحسن : هو الشَّيْطانُ جعل وعده الكاذب بالبقاء كالإملاء، وذلك أن الإملاء هو الإبقاء ملاوة من الدهر، يقال ملاوة وملاوة وملاوة بضم الميم وفتحها وكسرها، وهي القطعة من الزمن، ومنه الملوان الليل والنهار، فإذا أملى الشيطان إملاء لا صحة له إلا بطمعهم الكاذب، ويحتمل أن يكون الفاعل في أَمْلى اللّه عز وجل، كأنه قال : الشيطان سول لهم وأملى اللّه لهم. وحقيقة الإملاء إنما هو بيد اللّه عز وجل، وهذا هو الأرجح. وقرأ الأعرج ومجاهد والجحدري والأعمش :«و أملي لهم» بضم الهمزة وكسر اللام وإرسال ياء المتكلم، ورواها الخفاف عن أبي عمرو «و أملي» بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول، وهي قراءة شيبة وابن سيرين والجحدري وعيسى البصري وعيسى الهمذاني، وهذا يحتمل فاعله من الخلاف ما في القراءة الأولى.
وقوله تعالى : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا الآية، قيل إنها نزلت في بني إسرائيل الذين تقدم ذكرهم في تفسير قوله : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا وروي أن قوما من قريظة والنضير كانوا يعدون المنافقين في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والخلاف عليه بنصر وموازرة، وذلك قولهم سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ.
وقرأ جمهور القراء «أسرارهم» بفتح الهمزة، وذلك على جمع سر، لأن أسرارهم كانت كثيرة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «إسرارهم» بكسر الهمزة، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة والأعمش، وهو مصدر اسم الجنس.


الصفحة التالية
Icon