المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٢٠
وقوله تعالى : فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الآية، يحتمل أن يتوعدوا به على معنيين : أحدهما هذا هلعهم وجزعهم لفرض القتال وفراع الأعداء، فَكَيْفَ فزعهم وجزعهم إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ؟ والثاني أن يريد : هذه معاصيهم وعنادهم وكفرهم، فَكَيْفَ تكون حالهم مع اللّه إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ؟ وقال الطبري : المعنى وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ فَكَيْفَ علمه بها إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ. الْمَلائِكَةُ هنا :
ملك الموت والمصرفون معه. والضمير في يَضْرِبُونَ ل الْمَلائِكَةُ، وفي نحو هذا أحاديث تقتضي صفة الحال ومن قال إن الضمير في : يَضْرِبُونَ للكفار الذين يتوفون، فذلك ضعيف. و: ما أَسْخَطَ اللَّهَ هو الكفر. والرضوان هنا : الشرع والحق المؤدي إلى رضوان، وقد تقدم القول في تفسير قوله :
فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ.
وقرأ الأعمش :«فكيف إذا توفاهم الملائكة».
قوله عز وجل :
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٢]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢)
هذه الآية توبيخ للمنافقين وفضح لهم.
وقوله : أَمْ حَسِبَ توقيف وهي أَمْ المنقطعة، وتقدم تفسير مرض القلب. وقوله : أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ أي يبديها من مكانها في نفوسهم. والضغن : الحقد. وقوله تعالى : وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ مقاربة في شهرتهم، ولكنه تعالى لم يعينهم قط بالأسماء والتعريف التام إبقاء عليهم وعلى قرابتهم، وإن كانوا قد عرفوا ب لَحْنِ الْقَوْلِ وكانوا في الاشتهار على مراتب كعبد اللّه بن أبيّ والجد بن قيس وغيرهم ممن دونهم في الشهرة. والسيما : العلامة التي كان تعالى يجعل لهم لو أراد التعريف التام بهم. وقال ابن عباس والضحاك : إن اللّه تعالى قد عرفه بهم في سورة براءة. في قوله : وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التوبة : ٨٤] وفي قوله : فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا [التوبة : ٨٣].
قال القاضي أبو محمد : وهذا في الحقيقة ليس بتعريف تام، بل هو لفظ يشير إليهم على الإجمال لا أنه سمى أحدا. وأعظم ما روي في اشتهارهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر يوما فأخرجت منهم جماعة من المسجد كأنه وسمهم بهذا لكنهم أقاموا على التبري من ذلك وتمسكوا بلا إله إلا اللّه فحقنت دماؤهم. وروي عن حذيفة ما يقتضي أن النبي عليه السلام عرفه بهم أو ببعضهم، وله في ذلك كلام مع عمر رضي اللّه عنه. ثم أخبر تعالى أنه سيعرفهم فِي لَحْنِ الْقَوْلِ، ومعناه في مذهب القول ومنحاه


الصفحة التالية
Icon