المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٢١
ومقصده، وهذا هو كما يقول لك إنسان معتقده وتفهم أنت من مقاطع كلامه وهيئته وقرائن أمره أنه على خلاف ما يقول، وهذا معنى قوله : فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ومن هذا المعنى قول النبي عليه السلام :«فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض»، الحديث أي أذهب بها في جهات الكلام، وقد يكون هذا اللحن متفقا عليه : أن يقول الإنسان قولا يفهم السامعون منه معنى، ويفهم الذي اتفق مع المتكلم معنى آخر، ومنه الحديث الذي قال سعد بن معاذ وابن رواحة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : عضل والقارة وفي هذا المعنى قول الشاعر [مالك بن أسماء] :[الخفيف ] وخير الحديث ما كان لحنا أي ما فهمه عنك صاحبك وخفي على غيره، فأخبر اللّه محمدا رسوله عليه السلام أن أقوالهم المحرقة التي هي على خلاف عقدهم ستتبين له فيعرفهم بها، واحتج بهذه الآية من جعل في التعريض بالقذف.
وقوله تعالى : وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ مخاطبة للجميع من مؤمن وكافر.
وقرأ جمهور القراء :«و لنبلونكم» بالنون، وكذلك «نعلم» وكذلك «نبلوا»، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر :«و ليبلونكم اللّه»، وكذلك «يعلم» «و يبلو». وروى رويس عن يعقوب :«و يبلو» بالرفع على القطع والإعلام بأن ابتلاءه دائم. وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى، وقال : اللهم لا تبتلنا، فإنك إن ابتليتنا فضحتنا وهتكت أستارنا.
وقوله تعالى : حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ أي حتى يعلمهم مجاهدين قد خرج جهادهم إلى الوجود وبان تكسبهم الذي به يتعلق ثوابهم، وعلم اللّه بالمجاهدين قديم أزلي، وإنما المعنى ما ذكرناه.
وقوله تعالى : وَصَدُّوا يحتمل أن يكون المعنى : وَصَدُّوا غيرهم، ويحتمل أن يكون غير متعد، بمعنى : وصدوهم في أنفسهم.
وقوله : وَشَاقُّوا الرَّسُولَ معناه : خالفوه، فكانوا في شق وهو في شق. وقوله : مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى قالت فرقة : نزلت في قوم من بني إسرائيل فعلوا هذه الأفاعيل بعد تبينهم لأمر محمد عليه السلام من التوراة. وقالت فرقة : نزلت في قوم من المنافقين حدث النفاق في نفوسهم بعد ما كان الإيمان داخلها. وقال ابن عباس : نزلت في المطعمين سفرة بدر، و: «تبين الهدى» هو وجوده عند الداعي إليه.
وقالت فرقة : بل هي عامة في كل كافر، وألزمهم أنه قد تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى من حيث كان الهدى بينا في نفسه، وهذا كما تقول لإنسان يخالفك في احتجاج على معنى التوبيخ له : أنت تخالف في شيء لا خفاء به عليك، بمعنى أنه هكذا هو في نفسه. وقوله : لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ تحقير لهم.
وقوله : وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ إما على قول من يرى أن أعمالهم الصالحة من صلة رحم ونحوه تكتب فيجيء هذا الإحباط فيها متمكنا، وإما على قول من لا يرى ذلك، فمعنى وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ أنها عبارة عن إعدامه أعمالهم وإفسادها، وأنها لا توجد شيئا منتفعا به، فذلك إحباط على تشبيه واستعارة.