المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٤١
الإشارة إلى من شهد الحديبية : ب الَّذِينَ مَعَهُ. و: أَشِدَّاءُ جمع شديد، أصله : أشدداء، أدغم لاجتماع المثلين.
وقرأ الجمهور :«أشداء» «رحماء» بالرفع، وروى قرة عن الحسن :«أشداء» «رحماء» بنصبهما قال أبو حاتم : ذلك على الحال والخبر : تَراهُمْ. قال أبو الفتح : وإن شئت نصبت «أشداء» على المدح.
وقوله : تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً، أي ترى هاتين الحالتين كثيرا فيهم. و: يَبْتَغُونَ معناه يطلبون. وقرأ عمر وابن عبيد :«و رضوانا» بضم الراء.
وقوله : سِيماهُمْ معناه : علامتهم. واختلف الناس في تعيين هذه السيما، فقال مالك بن أنس :
كانت جباههم متربة من كثرة السجود في التراب، كان يبقى على المسح أثره، وقاله عكرمة. وقال أبو العالية : يسجدون على التراب لا على الأثواب. وقال ابن عباس وخالد الحنفي وعطية : هو وعد بحالهم يوم القيامة من أن اللّه تعالى يجعل لهم نورا مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.
قال القاضي أبو محمد : كما يجعل غرة من أثر الوضوء الحديث، ويؤيد هذا التأويل اتصال القول بقوله : فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً كأنه قال : علامتهم في تحصيلهم الرضوان يوم القيامة : سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. ويحتمل أن تكون السيما بدلا من قوله : فَضْلًا. وقال ابن عباس : السمت الحسن : هو السيما، وهو الخشوع خشوع يبدو على الوجه.
قال القاضي أبو محمد : وهذه حالة مكثري الصلاة، لأنها تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وتقل الضحك وترد النفس بحالة تخشع معها الأعضاء.
وقال الحسن بن أبي الحسن وشمر بن عطية : السيما : بياض وصفرة وبهيج يعتري الوجوه من السهر. وقال منصور : سألت مجاهدا : أهذه السيما هي الأثر يكون بين عيني الرجل؟ فقال : لا، وقد تكون مثل ركبة البعير، وهو أقسى قلبا من الحجارة. وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس : السيما : حسن يعتري وجوه المصلين.
قال القاضي أبو محمد : وذلك لأن اللّه تعالى يجعل لها في عين الرأي حسنا تابعا للإجلال الذي في نفسه، ومتى أجل الإنسان أمرا حسن عنده منظره، ومن هذا الحديث الذي في الشهاب :«من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار».
قال القاضي أبو محمد : وهذا حديث غلط فيه ثابت بن موسى الزاهد، سمع شريك بن عبد اللّه يقول : حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ثم نزع شريك لما رأى ثابت الزاهد فقال : يعنيه من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، فظن ثابت أن هذا الكلام متركب على السند المذكور فحدث به عن شريك.
وقرأ الأعرج :«من إثر» بسكون الثاء وكسر الهمزة. قال أبو حاتم هما بمعنى. وقرأ قتادة :«من آثار»، جمعا.