المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٥٩
جميعهم النار التي في القربان، فمن أكلته فهو المبطل، فدخلوها فاحترق قَوْمُ تُبَّعٍ، وخرج الحبران تعرق جباههما، فهلك القوم المخالفون وآمن سائر قَوْمُ تُبَّعٍ بدين الحبرين. وفي الحديث اختلاف كثير. أثبت أصح ذلك على ما في سير ابن هشام. وذكر الطبري عن سهل بن سعد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :«لا تلعنوا تبعا، فإنه كان قد أسلم» وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن تبعا كان نبيا.
وقوله تعالى : كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ قال سيبويه، التقدير : كلهم وحذف لدلالة كل عليه إيجازا.
و«الوعيد» الذي حق : هو ما سبق به القضاء من تعذيب الكفرة وإهلاك الأمم المكذبة، ففي هذا تخويف من كذب محمدا صلى اللّه عليه وسلم.
وقوله تعالى : أَفَعَيِينا توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة للحجة الواضحة عليهم، وذلك أن جوابهم على هذا التوقيف هو لم يقع عي، ثم هم مع ذلك في لبس من الإعادة. وهذا تناقض، ويقال عيى يعيى إذا عجز عن الأمر ويلح به، ويدغم هذا الفعل الماضي من هذا الفعل ولا يدغم المستقبل منه فيقال عي، ومنه قول الشاعر [عبيد بن الأبرص ] :
عيوا بأمرهم كما عيت ببيضتها الحمامه
و«الخلق الأول» إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج المعلوم، وقال الحسن :«الخلق الأول» آدم عليه السلام، حكاه الرماني، واللبس : الشك والريب واختلاط النظر. والخلق الجديد : البعث في القبور.
قوله عز وجل :
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٦ الى ٢١]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١)
هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث والجزاء. والخلق : إنشاء الشيء على ترتيب وتقدير حكمي. و: الْإِنْسانَ اسم الجنس. قال بعض المفسرين الْإِنْسانَ هنا آدم عليه السلام وتُوَسْوِسُ معناه : تتحدث في فكرتها، وسمي صوت الحلي وسواسا لخفائه، والوسوسة إنما تستعمل في غير الخير، وقوله تعالى : نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ عبارة عن قدرة اللّه على العبد، وكون العبد في قبضة القدرة، والعلم قد أحيط به، فالقرب هو بالقدرة والسلطان، إذ لا ينحجب عن علم اللّه باطن ولا ظاهر، وكل قريب من الأجرام فبينه وبين قلب الإنسان حجب. و: الْوَرِيدِ عرق كبير في العنق، يقال : إنهما وريدان عن يمين وشمال. قال الفراء : هو ما بين الحلقوم والعلباوين وقال الحسن :
الْوَرِيدِ الوتين.
قال الأثرم : هو نهر الجسد هو في القلب الوتين، وفي الظهر الأبهر، وفي الذراع والفخذ : الأكحل والنسا وفي الخنصر : إلا سليم، «و الحبل» : اسم مشترك فخصصه بالإضافة إلى الْوَرِيدِ، وليس هذا