المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٨٩
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وطلحة والحسن وقتادة وأهل مكة :«و اتبعتهم ذريتهم» «بهم ذريتهم». وقرأ نافع وأبو جعفر وابن مسعود بخلاف عنه وشيبة والجحدري وعيسى، «و أتبعناهم ذريتهم» «بهم ذرياتهم». وروى خارجة عنه مثل قراءة حمزة. وقرأ ابن عامر وابن عباس وعكرمة وابن جبير والضحاك :«و اتبعتهم ذريتهم» «بهم ذريتهم». وقرأ أبو عمرو والأعرج وأبو رجاء والشعبي وابن جبير والضحاك :«و أتبعناهم ذريتهم» «بهم ذريتهم». فكون الذرية جمعا في نفسه حسن الإفراد في هذه القراءات، وكون المعنى يقتضي انتشار أو كثرة حسن جمع الذرية في قراءة «ذرياتهم».
واختلف الناس في معنى الآية، قال ابن عباس وابن جبير والجمهور : أخبر اللّه تعالى أن المؤمنين تتبعهم ذريتهم في الإيمان. فيكونون مؤمنين كآبائهم. وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال كالآباء، فإنه يلحق الأبناء بمراتب أولئك الآباء كرامة للآباء.
وقد ورد في هذا المعنى حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم فجعلوا الحديث تفسير الآية وكذلك وردت أحاديث تقتضي «أن اللّه تعالى يرحم الآباء رعيا للأبناء الصالحين». وذهب بعض الناس إلى إخراج هذا المعنى من هذه الآية، وذلك لا يترتب إلا بأن يجعل اسم الذرية بمثابة نوعهم على نحو قوله تعالى أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس : ٤١] وفي هذا نظر. وقال ابن عباس أيضا والضحاك معنى هذه الآية : أن اللّه تعالى يحلق الأبناء الصغار بأحكام الآباء المؤمنين. يعني في الوراثة والدفن في قبور الإسلام وفي أحكام الآخرة في الجنة. وحكى أبو حاتم عن الحسن أنه قال : الآية في الكبار من الذرية وليس فيها من الصغار شيء. وقال منذر بن سعيد هي في الصغار لا في الكبار. وحكى الطبري قولا معناه أن الضمير في قوله : بِهِمْ عائد على ذرية، والضمير الذي بعده في : ذُرِّيَّتُهُمْ عائد على الَّذِينَ أي اتبعتهم الكبار وألحقنا نحن الكبار الصغار. وهذا قول مستكره.
وقوله : بِإِيمانٍ هو في موضع الحال. فمن رأى أن الآية في الأبناء الصغار. فالحال من الضمير في قوله : اتَّبَعَتْهُمْ فهو من المفعولين، ومن رأى أن الآية في الأبناء الكبار فيحتمل أن تكون الحال من المفعولين، ويحتمل أن تكون من المتبعين الفاعلين، وأرجح الأقوال في هذه الآية القول الأول. لأن الآيات كلها في صفة إحسان اللّه تعالى إلى أهل الجنة فذكر من جملة إحسانه أنه يرعى المحسن في المسيء. ولفظة أَلْحَقْنا تقتضي أن للملحق بعض التقصير في الأعمال.
وقرأ جمهور القراء :«ألتناهم» بفتح الألف من ألت. وقرأ ابن كثير وأبو يحيى وشبل :«ألتناهم» من ألت بكسر اللام. وقرأ الأعرج :«ألتناهم» على وزن أفعلناهم. وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود :«لتناهم» من لات، وهي قراءة ابن مصرف. ورواها القواس عن ابن كثير، وتحتمل قراءة من قرأ :«ألتناهم» بالفتح أن تكون من ألات، فإنه قال : ألات يليت إلاتة. ولات يليت ليتا. وآلت يولت إيلاتا، وألت يألت. وولت يلت ولتا. وكلها بمعنى نقص ومعنى هذه الآية : أن اللّه يلحق المقصر بالمحسن، ولا ينقص المحسن من أجره شيئا وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير والجمهور، ويحتمل قوله تعالى : وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ