المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢١١
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة القمروهي مكية بإجماع إلا آية واحدة اختلف فيها، فقال جمهور الناس هي مكية، وقال قوم هي مما نزل ببدر، وقيل بالمدينة وهي : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ [القمر : ٤٥] الآية وسيأتي القول في ذلك.
قوله عز وجل :
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤)حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)
اقْتَرَبَتِ معناه : قربت إلا أنه أبلغ، كما أن اقتدر أبلغ من قدر. و: السَّاعَةُ القيامة وأمرها مجهول التحديد لم يعلم، إلا أنها قربت دون تحديد، وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«بعثت أنا والساعة كهاتين»، وأشار بالسبابة والوسطى. وقال أنس : خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال :«ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم».
وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«إني لأرجو أن يؤخر اللّه أمتي نصف يوم»، وهذا منه على جهة الرجاء والظن لم يجزم به خبرا، فأناب اللّه به على أمله وأخر أمته أكثر من رجائه، وكل ما يروى عن عمر الدنيا من التحديد فضعيف واهن.
وقوله : انْشَقَّ الْقَمَرُ إخبار عما وقع في ذلك، وذكر الثعلبي أنه قيل إن المعنى ينشق القمر يوم القيامة، وهذا ضعيف الأمة على خلافه، وذلك أن قريشا سألت رسول اللّه آية فقيل مجملة، وهذا قول الجمهور، وقيل بل عاينوا شق القمر، ذكره الثعلبي عن ابن عباس فأراهم اللّه انشقاق القمر، فرآه رسول اللّه وجماعة من المسلمين والكفار، فقال رسول اللّه «اشهدوا»، وممن قال من الصحابة رأيته : عبد اللّه بن مسعود وجبير بن مطعم وأخبر به عبد اللّه بن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة بن اليمان، وقال المشركون عند ذلك : سحرنا محمد. وقال بعضهم : سحر القمر وقالت قريش استخبروا المسافرين القادمين عليكم، فما