المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢٢١
الأقوال، وأضرب عنها تهمما بأمر الساعة التي عذابها أشد عليهم من كل هزيمة وقتل فقال : بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ. و: أَدْهى أفعل من الداهية : وهي الرزية العظمى تنزل بالمرء. وَأَمَرُّ من المرارة، واللفظة ليست هنا مستعارة، لأنها ليست فيما يذاق.
ثم أخبر تعالى عن المجرمين أنهم في الدنيا في حيرة وإتلاف وفقد هدى وفي الآخرة في احتراق وتسعر من حيث هم صائرون إليه، قال ابن عباس المعنى : في خسران وجنون، والسعر الجنون. وأكثر المفسرين على أن الْمُجْرِمِينَ هنا يراد بهم الكفار. وقال قوم المراد ب الْمُجْرِمِينَ : القدرية الذين يقولون إن أفعال العباد ليست بقدر من اللّه، وهم المتوعدون بالسحب في جهنم، والسحب : الجر. وفي قراءة ابن مسعود :«إلى النار».
وقوله تعالى : ذُوقُوا مَسَّ استعارات، والمعنى : يقال لهم على جهة التوبيخ.
واختلف الناس في قوله تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ، فقرأ جمهور الناس :«إنا كلّ» بالنصب، والمعنى : خلقنا كل شيء خلقناه بقدر، وليست خَلَقْناهُ في موضع الصفة لشيء، بل هو فعل دال على الفعل المضمر، وهذا المعنى يقتضي أن كل شيء مخلوق، إلا ما قام دليل العقل على أنه ليس بمخلوق كالقرآن والصفات. وقرأ أبو السمال ورجحه أبو الفتح :«إنا كلّ» بالرفع على الابتداء، والخبر : خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.
قال أبو حاتم : هذا هو الوجه في العربية، وقراءتنا بالنصب مع جماعة، وقرأها قوم من أهل السنة بالرفع، والمعنى عندهم على نحو ما عند الأولى أن كل شيء فهو مخلوق بقدر سابق، و: خَلَقْناهُ على هذا ليست صفة لشيء، وهذا مذهب أهل السنة، ولهم احتجاج قوي بالآية على هذين القولين، وقالت القدرية وهم الذين يقولون : لا قدر، والمرء فاعل وحده أفعاله. القراءة «إنا كلّ شيء خلقناه» برفع «كلّ» :
وخَلَقْناهُ في موضع الصفة ب «كلّ»، أي أن أمرنا وشأننا كلّ شيء خلقناه فهو بقدر وعلى حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك، فيزيلون بهذا التأويل موضع الحجة عليهم بالآية.
وقال ابن عباس : إني أجد في كتاب اللّه قوما يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ لأنهم كانوا يكذبون بالقدر، ويقولون : المرء يخلق أفعاله، وإني لا أراهم، فلا أدري أشيء مضى قبلنا أم شيء بقي؟.
وقال أبو هريرة : خاصمت قريش رسول اللّه في القدر فنزلت هذه الآية، قال أبو عبد الرحمن السلمي : فقال رجل يا رسول اللّه ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه؟ أم في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، سنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى»، وقال أنس بن مالك :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«القدرية يقولون الخير والشر بأيدينا، ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني».
وقوله : إِلَّا واحِدَةٌ، أي : إلا قولة واحدة وهي : كن. وقوله : كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ تفهيم للناس بأعجل ما يحسون وفي أشياء أمر اللّه تعالى أوحى من لمح البصر. والأشياع : الفرق المتشابهة في مذهب ودين، ونحوه الأول شيعة للآخر، الآخر شيعة للأول.