المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢٩٩
قوله عز وجل :
[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ١٢ الى ١٣]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣)
هذه بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا وهي كانت في المعنى بيعة الرجال قبل فرض القتال، وسماهم «المؤمنات» بحسب الظاهر من أمرهن، ورفض الاشتراك هو محض الإيمان، وقتل الأولاد وهو من خوف الفقر، وكانت العرب تفعل ذلك. وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن :«يقتّلن» بضم الياء وفتح القاف وكسر التاء المشددة، و«الإتيان بالبهتان»، قال أكثر المفسرين معناه أن تنسب إلى زوجها ولدا ليس هو له واللفظ أعم من هذا التخصيص، فإن الفرية بالقول على أحد من الناس بعضيهة لمن هذا، وإن الكذب فيما ائتمن فيه من الحمل والحيض لفرية بهتان، وبعض أقوى من بعض وذلك أن بعض الناس قال بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ يراد به اللسان والفم في الكلام والقبلة ونحوه، «و بين الأرجل» يراد به الفروج وولد الإلحاق ونحوه، والمعروف الذي نهي عن العصيان فيه، قال أنس وابن عباس، وزيد بن أسلم : هو النوح، وشق الجيوب ووشم الوجوه ووصل الشعر وغير ذلك من أوامر الشريعة، فرضها وندبها. ويروى أن جماعة نساء فيهن هند بنت عتبة بايعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقرأ عليهن الآي، فلما قررهن على أن لا يشركن قالت هند : وكيف نطمع أن تقبل منا ما لم تقبله من الرجال؟ بمعنى أن هذا بين لزومه، فلما وقف على السرقة، قالت : واللّه إني لأصيب الهنة من مال أبي سفيان لا أدري أيحل لي ذلك، فقال أبو سفيان : ذلك لك حلال فيما مضى وبقي، وقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«كلي وولدك بالمعروف».
وقدر تكرر هذا المعنى في الحديث الآخر قولها إن أبا سفيان رجل مسيك فلما وقف على الزنا قالت : يا رسول اللّه وهل تزني الحرة؟ قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«لا ما تزني الحرة»، وذلك أن الزنا في قريش إنما كان في الإماء في أغلب الأمر، وفيما تعرف مثل هند وإلا فالبغايا قد كن أحرارا، فلما وقف على قتل الأولاد، قالت : نحن ربيناهم صغارا وقتلتهم أنت ببدر كبارا، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما وقف على العصيان بالمعروف، قالت : ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أن نعصيك، ويروى أن جماعة نساء بايعن النبي صلى اللّه عليه وسلم فقلن : يا رسول اللّه نبايعك على كذا وكذا الآية، فلما فرغن قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«فيما استطعتن وأطلقتن»، فقلن اللّه ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا.
وقوله تعالى : فَبايِعْهُنَّ امض معهن صفقة الإيمان بأن يعطين ذلك من أنفسهن ويعطين عليه الجنة، واختلفت هيئات مبايعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم النساء بعد الإجماع على أنه لم تمس يده يد