المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٤٨
الدفع بشدة، ومنه العتلة، وقوله : بَعْدَ ذلِكَ معناه، بعد ما وصفناه به، فهذا الترتيب إنما هو في قول الواصف، لا في حصول تلك الصفات في الموصوف وإلا فكونه عتلا، هو قبل كونه صاحب خير يمنعه، والزنيم : في كلام العرب، الملصق في القوم وليس منهم، وقد فسر به ابن عباس هذه الآية، وقال مرة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة، يعني الذي نزلت فيه هذه الآية، ومن ذلك قول حسان بن ثابت :[الطويل ]
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
ومنه قول حسان بن ثابت أيضا :[الطويل ]
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
فقال كثير من المفسرين : هذا هو المراد في الآية. وذلك أن الأخنس بن شريق كان من ثقيف، حليفا لقريش. وقال ابن عباس : أراد ب «الزنيم» أن له زنمة في عنقه كزنمة الشاة، وهي الهنة التي تعلق في عنقها، وما كنا نعرف المشار إليه، حتى نزلت فعرفناه بزنمته. قال أبو عبيدة : يقال للتيس زنيم إذ له زنمتان، ومنه قول الأعرابي في صفة شاته : كأن زنمتيها نتوا قليسية. وروي أن الأخنس بن شريق كان بهذه الصفة كان له زنمة. وروى ابن عباس أنه قال : لما نزلت هذه الصفة، لم يعرف صاحبها حتى نزلت زَنِيمٍ فعرف بزنمته. وقال بعض المفسرين : الزنيم : المريب، القبيح الأفعال. واختلفت القراءة في قوله : أَنْ كانَ ذا مالٍ. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وحفص عن عاصم وأهل المدينة :«أن كان» على الخبر، وقرأ حمزة :«أ أن كان» بهمزتين محققتين على الاستفهام، وقرأ ابن عامر والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وأبو جعفر :«آن كان» على الاستفهام بتسهيل الهمزة الثانية، والعامل في أَنْ كانَ فعل مضمر تقديره : كفر أو جحد أو عند، وتفسير هذا الفعل، قوله : إِذا تُتْلى عَلَيْهِ الآية، وجاز أن يعمل المعنى وهو متأخر من حيث كان قوله أَنْ كانَ في منزلة الظرف، إذ يقدر باللام، أي لأن كان، وقد قال فيه بعض النحاة : إنه في موضع خفض باللام، كما لو ظهرت، فكما يعمل المعنى في الظرف المتقدم فكذلك يعمل في هذا، ومنه قوله تعالى : يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [سبأ : ٧]. فالعامل في : إِذا [سبأ : ٧]، معنى قوله : إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [سبأ : ٧]، أي تبعثون، ونحوه من التقدير، ولا يجوز أن يعمل :
تُتْلى في إِذا لأنه مضاف إليه وقد أضيف إِذا إلى الجملة ولا يجوز أن يعمل في أَنْ، قال لأنها جواب إِذا ولا تعمل فيما قبلها. وأجاز أبو علي أن يعمل فيه عُتُلٍّ وإن كان قد وصف، ويصح على هذا النظر أن يعمل فيه زَنِيمٍ لا سيما على قول من يفسره بالقبيح الأفعال، ويصح أن يعمل في أَنْ كانَ، تطيعه التي يقتضيها قوله : وَلا تُطِعْ [القلم : ١٠]. وهذا على قراءة الاستفهام يبعد وإنما يتجه لا تطعه لأجل كونه كذا، وأَنْ كانَ، على كل وجه، مفعول من أجله وتأمل. وقد تقدم القول في الأساطير في غير ما موضع. وقوله تعالى : سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ معناه على الأنف قاله المبرد، وذلك أن الْخُرْطُومِ يستعار في أنف الإنسان. وحقيقته في مخاطم السباع، ولم يقع التوعد في هذه الآية، بأن


الصفحة التالية
Icon