المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٥٨
بفتح القاف وسكون الباء أي الأمم الكافرة التي كانت قبله، ويؤيد ذلك ذكره قصة نوح في طغيان الماء لأن قوله : مَنْ قَبْلَهُ، قد تضمنه فحسن اقتضاب أمرهم بعد ذلك دون تصريح. وقال أبو عمرو والكسائي وعاصم في رواية أبان والحسن بخلاف عنه وأبو رجاء والجحدري وطلحة :«و من قبله»، بكسر القاف وفتح الباء أي أجناده وأهل طاعته ويؤيد ذلك أن في مصحف أبيّ بن كعب :«و جاء فرعون ومن معه»، وفي حرف أبي موسى :«و من تلقاءه». وقرأ طلحة بن مصرف :«و من حوله». وقبل الإنسان : ما يليه في المكان وكثر استعمالها حتى صارت بمنزلة عندي وفي ذمتي وما يليني بأي وجه وليني. و: الْمُؤْتَفِكاتُ قرى قوم لوط، وكانت أربعا فيما روي، وائتفكت : قلبت وصرفت عاليها سافلها فائتفكت هي فهي مؤتفكة، وقرأ الحسن هنا :«و المؤتفكة» على الإفراد، و«الخاطئة» : إما أن تكون صفة لمحذوف كأنه قال بالفعل الخاطئة، وإما أن يريد المصدر، أي بالخطأ في كفرهم وعصيانهم. وقوله تعالى : فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ يحتمل أن يكون الرسول : اسم جنس كأنه قال : فعصا هؤلاء الأقوام والفرق أنبياء اللّه الذين أرسلهم إليهم، ويحتمل أن يكون الرسول بمعنى : الرسالة، وقال الكلبي : يعني موسى، وقال غيره في كتاب الثعلبي :
يعني لوطا والرابية : النامية التي قد عظمت جدا، ومنه ربا المال، ومنه الربا، ومنه اهتزت وربت. ثم عدد تعالى على الناس نعمته في قوله : إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ الآية، والمراد : طَغَى الْماءُ في وقت الطوفان الذي كان على قوم نوح. والطغيان : الزيادة على الحدود المتعارفة في الأشياء، ومعناه طغا على خزانه في خروجه وعلى البشر في أن أغرقهم، قال قتادة : علا على كل شيء خمسة عشر ذراعا، والْجارِيَةِ :
السفينة، والضمير في لِنَجْعَلَها
عائد على الفعلة أي من يذكرها ازدجر، ويحتمل أن يعود على الْجارِيَةِ، أي من سمعها اعتبر. والْجارِيَةِ يراد بها سفينة نوح قاله منذر، وقال المهدوي : المعنى في السفن الجارية، وقال قتادة : أبقى اللّه تعالى تلك السفينة حتى رأى بعض عيدانها أوائل هذه الأمة وغيرها من السفن التي صنعت بعدها قد صارت رمودا. وقوله تعالى : وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
عبارة عن الرجل الفهم المنور القلب، الذي يسمع القول فيتلقاه بفهم وتدبر. قال أبو عمران الجوني : واعِيَةٌ
عقلت عن اللّه عز وجل. ويروى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه :
«إني دعوت اللّه تعالى أن يجعلها أذنك يا علي». قال علي : فما سمعت بعد ذلك شيئا فنسيته. وقرأ الجمهور :«تعيها» بكسر العين على وزن تليها. وقرأ ابن كثير في رواية الحلواني وقنبل وابن مصرف :
«و تعيها» بسكون العين جعل التاء التي هي علامة في المضارع بمنزلة الكاف من كتف إذ حرف المضارع لا يفارق الفعل فسكن تخفيفا كما يقال : كتف ونحو هذا قول الشاعر :
قالت سليمى اشتر لنا سويقا على أن هذا البيت منفصل، فهو أبعد لكن ضرورة الشعر تسامح به، ثم ذكر تعالى أمر القيامة، و«الصور» : القرن الذي ينفخ فيه، قال سليمان بن أرقم : بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن الصُّورِ فقال :«هو قرن من نور فمه أوسع من السماوات»، والنفخة المشار إليها في هذه الآية، نفخة القيامة التي للفزع ومعها يكون الصعق، ثم نفخة البعث، وقيل : هي نفخات ثلاثة : نفخة الفزع ونفخة الصعق ثم نفخة البعث، والإشارة بآياتنا هذه إلى نفخة الفزع، لأن حمل الجبال هو بعدها. وقرأ