المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٥٩
الجمهور :«نفخة» بالرفع، لما نعت صح رفعه، وقرأ أبو السمال :«نخفة واحدة» بالنصب. وقرأ جمهور القراء :«و حملت» بتخفيف الميم بمعنى حملتها الرياح والقدرة، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه :«و حمّلت» بشد الميم، وذلك يحتمل معنيين أحدهما أنها حاملة حملت قدرة وعنفا وشدة نفثها فهي محملة حاملة.
والآخر أن يكون محمولة حملت ملائكة أو قدرة. وقوله تعالى : فَدُكَّتا وقد ذكر جمعا ساغ، ذلك لأن المذكور فرقتان وهذا كما قال الشاعر [القطامي ] :[الوافر]
ألم يحزنك أن حبال قومي وقومك قد تباينتا انقطاعا
ومنه قوله تعالى : كانَتا رَتْقاً [الأنبياء : ٣٠] و«دكتا» معناه : سوى جميعها كما يقال : ناقة دكا :
إذا ضعفت فاستوت حدبتها مع ظهرها، والْواقِعَةُ : القيامة والطامة الكبرى، وقال بعض الناس : هي إشارة إلى صخرة بيت المقدس وهذا ضعيف، وانشقاق السماء هو تفطيرها وتمييز بعضها عن بعض وذلك هو الوهي الذي ينالها كما يقال في الجدارات البالية المتشققة واهية، وَالْمَلَكُ اسم الجنس يريد به الملائكة، وقال جمهور المفسرين : الضمير في أَرْجائِها عائد على السَّماءُ أي الملائكة على نواحيها وما لم يه منها والرجا : الجانب من الحائط والبئر ونحوه ومنه قول الشاعر [المرادي ] :[الطويل ]
كأن لم تري قبلي أسيرا مقيدا ولا رجلا يرعى به الرجوان
أي يلقى في بئر فهو لا يجد ما يتمسك به. وقال الضحاك أيضا وابن جبير : الضمير في أَرْجائِها عائد على الأرض وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب لأن القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك، وفسر هذه الآية بما روي أن اللّه تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفا على حافات الأرض ثم يأمر ملائكة السماء الثانية فيصفون خلفهم ثم كذلك ملائكة كل سماء، فكلما فر أحد من الجن والإنس وجد الأرض قد أحيط بها، قالوا فهذا تفسير هذه الآيات، وهو أيضا معنى قوله تعالى : وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر : ٢٢] وهو أيضا تفسير قوله يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ [غافر : ٣٢ - ٣٣] على قراءة من شد الدال، وهو تفسير قوله : يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرحمن : ٣٣]، واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش، فقال ابن عباس : هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدتهم. وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول، وقال جماعة من المفسرين : هم على هيئة الناس، أرجلهم تحت الأرض السفلى ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة. وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة قواهم اللّه بأربعة سواهم». والضمير في قوله : فَوْقَهُمْ للملائكة الحملة، وقيل للعالم كله وكل قدرة كيفما تصورت فإنما هي بحول اللّه وقوته.
قوله عز وجل :
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٨ الى ٢٩]
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧)
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩)