المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٦
فرقة : المعنى ويجيب المؤمنون ربهم، ف الَّذِينَ : فاعل بمعنى يجيبون دعوة شرعه ورسالته. والزيادة من فضله : هي تضعيف الحسنات، وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : هي قبول الشفاعات في المذنبين والرضوان.
وقوله تعالى : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ قال عمرو بن حريث وغيره إنها نزلت لأن قوما من أهل الصفة طلبوا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يغنيهم اللّه ويبسط لهم الأموال والأرزاق، فأعلمهم اللّه تعالى أنه لو جاء الرزق على اختيار البشر واقتراحهم لكان سبب بغيهم وإفسادهم، ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة في كل أحد، وله بعبيده خبرة وبصر بأخلاقهم ومصالحهم، فهو ينزل لهم من الرزق القدر الذي به صلاحهم، فرب إنسان لا يصلح وتكتف عاديته إلا بالفقر وآخر بالغنى. وروى أنس بن مالك في هذا المعنى التقسم حديثا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال أنس : اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرني. وقال خباب بن الأرتّ : فينا نزلت : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ الآية، لأنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت الآية.
قوله عز وجل :
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٨ الى ٣٣]
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣)
هذه تعديد نعمة اللّه تعالى الدالة على وحدانيته، وأنه الإله الذي يستحق أن يعبد دون سواه من الأنداد.
وقرأ «ينزّل» مثقلة جمهور القراء، وقرأها «ينزل» مخففة ابن وثاب والأعمش، ورويت عن أبي عمرو، ورجحها أبو حاتم، وقرأ جمهور الناس :«قنطوا» بفتح النون، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش : بكسر النون، وقد تقدم ذكرها وهما لغتان : قنط، وقنط، وروي أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قيل له :
أجدبت الأرض وقنط الناس، فقال : مطروا إذا، بمعنى أن الفرج عند الشدة، واختلف المتأولون في قوله تعالى : وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ فقالت فرقة : أراد بالرحمة المطر، وعدد النعمة بعينها بلفظتين : الثاني منهما يؤكد الأول. وقالت فرقة : الرحمة في هذا الموضع الشمس، فذلك تعديد نعمة غير الأولى، وذلك أن المطر إذا ألم بعد القنط حسن موقعه، فإذا دام سئم، فتجيء الشمس بعده عظيمة الموضع.
وقوله تعالى : وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ أي من هذه أفعاله فهو الذي ينفع إذا والى وتحمد أفعاله ونعمه،