المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٩٤
الكفار فوصف اليوم بالعسر لكونه ظرف زمان له. وكذلك تجيء صفته باليسر. وقرأ الحسن «عسر» بغير ياء.
قوله عز وجل :
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ١١ الى ٢٥]
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)
كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠)
ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)
قوله تعالى : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وعيد محض، المعنى أنا أكفي عقابه وشأنه كله. ولا خلاف بين المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي، فروي أنه كان يلقب الوحيد، أي لأنه لا نظير له في ماله وشرفه في بيته، فذكر الوحيد في الآية في جملة النعمة التي أعطي وإن لم يثبت هذا، فقوله تعالى : خَلَقْتُ وَحِيداً معناه منفردا قليلا ذليلا، فجعلت له المال والبنين، فجاء ذكر الوحدة مقدمة حسن معها وقوع المال والبنين، وقيل المعنى خلقته وحدي لم يشركني فيه أحد، ف وَحِيداً حال من التاء في خَلَقْتُ، والمال الممدود : قال مجاهد وابن جبير هو ألف دينار، وقال سفيان : بلغني أنه أربعة آلاف دينار وقاله قتادة، وقيل : عشرة آلاف دينار، فهذا مد في العدد، وقال النعمان بن بشير هي الأرض لأنها مدت، وقال عمر بن الخطاب :
المال الممدود الربع المستغل مشاهرة، فهو مد في الزمان لا ينقطع، وشُهُوداً معناه حضورا متلاحقين، قال مجاهد وقتادة : كان له عشرة من الولد، وقال ابن جبير : ثلاثة عشر، والتمهيد : التوطئة والتهيئة، قال سفيان : المعنى بسطت له العيش بسطا. وقوله تعالى : ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ وصفه بجشع الوليد وعتبة في الازدياد من الدنيا، وقوله تعالى : كَلَّا زجر ورد على أمنية هذا المذكور، ثم أخبر عنه أنه كان معاندا مخالفا لآيات اللّه وعبره، يقال بعير عنود للذي يمشي مخالفا للإبل. ويحتمل أن يريد بالآيات آيات القرآن وهو الأصح في التأويل سبب كلام الوليد في القرآن بأنه سحر، و«أرهقه» معناه أكلفه بمشقة وعسر، وصَعُوداً : عقبة في جهنم، روى ذلك أبو سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم كلما وضع عليها شيء من الإنسان ذاب، والصعود في اللغة : العقبة الشاقة. وقوله تعالى مخبرا عن الوليد إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ الآية، روى جمهور المفسرين أن الوليد سمع من القرآن ما أعجبه ومدحه، ثم سمع كذلك مرارا حتى كاد أن يقارب الإسلام، ودخل إلى أبي بكر الصديق مرارا، فجاءه أبو جهل فقال : يا وليد، أشعرت أن قريشا قد ذمتك بدخولك إلى ابن أبي قحافة وزعمت أنك إنما تقصد أن تأكل طعامه، فقد أبغضتك لمقاربتك أمر محمد، وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في هذا الكلام قولا يرضيهم، ففتنه أبو جهل فافتتن، وقال : افعل ذلك ثم فكر فيما عسى أن يقول في القرآن، فقال : أقول شعر ما هو بشعر، أقول