المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٢٧
تسمه بذلك لأنه يبرد سؤر العطش، ومن كلامهم منع البرد البرد، وقال جمهور الناس :«البرد» في الآية :
مسر الهواء البارد وهو القر، أي لا يمسهم منه ما يستلذ ويكسر غرب الحر، فالذوق على هذين القولين مستعار، وقال ابن عباس :«البرد» : الشراب المستلذ، ومنه قول حسان بن ثابت :[الكامل ]
يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل
ومنه قول الآخر :[الطويل ]
أماني من سعدى حسان كأنما سقتني بها سعدى على ظمأ بردا
ثم قال تعالى : وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً فالاستثناء متصل و«الحميم» : الحار الذائب وأكثر استعماله في الماء السخن والعرق ومنه الحمام، وقال ابن زيد :«الحميم» : دموع أعينهم، وقال النقاش : ويقال «الحميم» : الصفر المذاب المتناهي الحر، واختلف الناس في «الغساق»، فقال قتادة والنخعي وجماعة :
هو ما يسيل من أجسام أهل النار من صديد ونحوه، يقال : غسق الجرح : إذا سال منه قيح ودم، وغسقت العين : إذا دمعت وإذا خرج قذاها، وقال ابن عباس ومجاهد :«الغساق» : مشروب لهم مفرط الزمهرير، كأنه في الطرف الثاني من الحميم يشوي الوجوه ببرده. وقال عبد اللّه بن بريدة :«الغساق» : المنتن، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم وجماعة من الجمهور :«غساقا»، بتخفيف السين وهو اسم على ما قدمناه، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن أبي إسحاق السبيعي والحكم بن عتبة وقتادة وابن وثاب :«غسّاقا» مشددة السين وهي صفة أقيمت مقام الموصوف، كأنه قال ومشروب غساق أي سائل من أبدانهم، وقوله تعالى : وِفاقاً معناه لأعمالهم وكفرهم أي هو جزاؤهم الجدير بهم الموافق مع التحذير لأعمالهم فهي كفر، و«الجزاء» : نار، ويَرْجُونَ قال أبو عبيدة وغيره : معناه : يخافون، وقال غيره : الرجاء هنا على بابه، ولا رجاء إلا وهو مقترن بخوف ولا خوف إلا وهو مقترن برجاء، فذكر أحد القسمين لأن المقصد العبارة عن تكذيبهم كأنه قال : إنهم كانوا لا يصدقون بالحساب، فلذلك لا يرجونه ولا يخافونه، وقرأ جمهور الناس :«كذابا» بشد الذال وكسر الكاف وهو مصدر بلغة بعض العرب، وهي يمانية ومنه قول أحدهم وهو يستفتي :
ألحلق أحب إليك أم القصار؟
ومنه قول الشاعر :[الطويل ]
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حاجة قضاؤها من شفائيا
وهذا عندهم مصدر من فعّل، وقال الطبري : لم يختلف القراء في هذا الموضع في كِذَّاباً.
قال القاضي أبو محمد : وأراه أراد السبعة، وأما في الشاذ، فقرأ علي بن أبي طالب وعوف الأعرابي وعيسى والأعمش وأبو رجاء :«كذابا» بكسر الكاف وبتخفيف الذال، وقرأ عبد اللّه بن عمر بن عبد العزيز :
«كذّابا» بضم الكاف وشد الذال على أنه جمع كاذب ونصبه على الحال قاله أبو حاتم. وقوله تعالى : وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ، يريد كل شيء شأنه أن يحضر في هذا الخبر وربط لآخر القصة بأولها أي هم مكذبون