المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٢٨
وكافرون، ونحن قد أحصينا، فالقول لهم في الآخرة ذوقوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً رواه أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، ولما ذكر تعالى أمر أهل النار عقب بذكر أهل الجنة ليبين الفرق. و«المفاز» :
موضع الفوز لأنهم زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة. و«الحدائق» : البساتين التي عليها حلق وجدارات وحظائر. وأَتْراباً معناه : على سن واحدة، والتربان هما اللذان مسا التراب في وقت واحد، و«الدهاق» : المترعة فيما قال الجمهور، وقال ابن جبير معناه : المتتابعة وهي من الدهق، وقال عكرمة :
هي الصفية، وفي البخاري قال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول للساقي : اسقنا كأسا دهاقا، و«اللغو» : سقط الكلام وهو ضروب، وقد تقدم القول في كِذَّاباً إلا أن الكسائي من السبعة قرأ في هذا الموضع «كذابا» بالتخفيف وهو مصدر، ومنه قول الأعشى :[مجزوء الكامل ]
فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه
واختلف المتأولون : في قوله : حِساباً، فقال جمهور المفسرين واللغويين معناه : محسبا، كافيا في قولهم أحسبني هذا الأمر أي كفاني، ومنه حسبي اللّه، وقال مجاهد معناه : إن حِساباً معناه بتقسط على الأعمال لأن نفس دخول الجنة برحمة اللّه وتفضله لا بعمل، والدرجات فيها والنعيم على قدر الأعمال، فإذا ضاعف اللّه لقوم حسناتهم بسبعمائة مثلا ومنهم المكثر من الأعمال والمقل أخذ كل واحد سبعمائة بحسب عمله وكذلك في كل تضعيف، فالحساب ها هو موازنة أعمال القوم. وقرأ الجمهور «حسابا» : بكسر الحاء وتخفيف السين المفتوحة، وقرأ ابن قطب «حسابا» : بفتح الحاء وشد الشين، قال أبو الفتح جاء بالاسم من أفعل على فعال، كما قالوا أدرك فهو : دراك، فقرأ ابن عباس وسراج :«عطاء حسنا» بالنون من الحسن وحكى عنه المهدوي أنه قرأ «حسبا» بفتح الحاء وسكون السين وبالباء، وقرأ شريح بن يزيد الحمصي :«حسّابا» بكسر الحاء وشد السين المفتوحة، وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر وشيبة وأهل الحرمين :«ربّ» بالرفع، وكذلك «الرحمن»، وقرأ ابن عامر وعاصم وابن مسعود وابن أبي إسحاق وابن محيصن والأعمش «رب» وكذلك «الرحمن» وقرأ حمزة والكسائي «ربّ» : بالخفض و«الرحمن» بالرفع وهي قراءة الحسين وابن وثاب وابن محيصن بخلاف عنه ووجوه هذه القراءات بينة، وقوله تعالى : لا يَمْلِكُونَ الضمير للكفار أي لا يَمْلِكُونَ من أفضاله وأجماله أن يخاطبوه بمعذرة ولا غيرها، وهذا في موطن خاص.
قوله عز وجل :
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠)
اختلف الناس في الرُّوحُ المذكورة في هذا الموضع، فقال الشعبي والضحاك : هو جبريل عليه السلام ذكره خاصة من بين الملائكة تشريفا، وقال ابن مسعود : هو ملك كريم أكبر الملائكة خلقة يسمى