المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٥٠
تجاوز الحد في وفاء ونقصان، والمعنى والقرائن بحسب قول قول تبين المراد وهذا عندي جد صحيح، وقد بين تعالى أن التطفيف إنما أراد به أمر الوزن والكيل، واكْتالُوا عَلَى النَّاسِ معناه : قبضوا منهم وكالُوهُمْ معناه : قبضوهم، يقال : كلت منك واكتلت عليك، ويقال : وكلت لك فلما حذفت اللام تعدى الفعل، قال الفراء والأخفش.
وأنشد أبو زيد :[الكامل ]
ولقد جنتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
وعلى هذا المعنى هي قراءة الجمهور، وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين ويقف على «كالوا» و«وزنوا» بمعنى : هم يخسرون إذا كالوا ووزنوا. ورويت عن حمزة، فقوله :«هم» تأكيد للضمير، وظاهر هذه الآية يقتضي أن الكيل والوزن على البائع وليس ذلك بالجلي، وصدر الآية هو في المشترين، فذمهم بأنهم يَسْتَوْفُونَ ويشاحون في ذلك، إذ لا تمكنهم الزيادة على الاستيفاء لأن البائع يحفظ نفسه، فهذا مبلغ قدرتهم في ترك الفضيلة والسماحة المندوب إليها، ثم ذكر أنه إذا باعوا أمكنهم من الظلم والتطفيف أن يخسروا لأنهم يتولون الكيل للمشتري منهم وذلك بحالة من يخسر البائع إن قدر، ويُخْسِرُونَ معدى بالهمزة يقال : خسر الرجل وأخسره غيره، والمفعول ل كالُوهُمْ محذوف، ثم وقفهم تعالى على أمر القيامة وذكرهم بها وهذا مما يؤيد أنها نزلت بالمدينة في قوم من المؤمنين وأريد بها مع ذلك من غبر من الأمة، ويَظُنُّ هنا بمعنى : يعلم ويتحقق، و«اليوم العظيم» : يوم القيامة، ويَوْمَ ظرف عمل فيه فعل مقدر يبعثون ونحوه، وقال الفراء : هو بدل من لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، لكنه بني ويأبى ذلك البصريون، لأنه مضاف إلى معرب، وقام الناس فيه لِرَبِّ الْعالَمِينَ يختلف الناس فيه بحسب منازلهم، فروى عبد اللّه بن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«يقام فيه خمسين ألف سنة». وهذا بتقدير شدته، وقيل : ثلاثمائة سنة، قاله النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال ابن عمر : مائة سنة وقيل ثمانون سنة، وقال ابن مسعود :
أربعون سنة رافعي رؤوسهم إلى السماء لا يؤمرون ولا يكلمون، وقيل غير هذا، ومن هذا كله آثار مروية ومعناها : إن لكل قوم مدة ما تقتضي حالهم وشدة أمرهم ذلك. وروي أن القيام فيه على المؤمن على قدر ما بين الظهر إلى العصر، وروي عن بعض الناس : على قدر صلاة، وفي هذا القيام هو إلجام العرق للناس، وهو أيضا مختلف، ويروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من طريق عقبة بن عامر :«أنه يلجم الكافر إلجاما»، ويروى أن بعض الناس يكون فيه إلى أنصاف ساقيه وبعضهم إلى فوق، وبعضهم إلى أسفل.
قوله عز وجل :
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٧ الى ١٧]
كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١)
وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦)
ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧)


الصفحة التالية
Icon