المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٦٥
ذلك، وقال ابن عباس : أراد الجدي، وقال بعض هؤلاء يقال : ثقب النجم، إذا ارتفع فإنما وصف زحلا بالثقوب لأنه أرفع الكواكب مكانا. وقال ابن زيد وغيره : النَّجْمُ الثَّاقِبُ : الثريا، وهو الذي يطلق عليه اسم النجم معرفا، وجواب القسم في قوله : إِنْ كُلُّ نَفْسٍ الآية، وقرأ جمهور الناس :«لما»، مخففة الميم، قال الحذاق من النحويين وهم البصريون : مخففة من الثقيلة، واللام : لام التأكيد الداخلة على الخبر، وقال الكوفيون : إِنْ، بمعنى : ما النافية، واللام بمعنى : إلا، فالتقدير ما كان نفس إلا عَلَيْها حافِظٌ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والحسن والأعرج وأبو عمرو ونافع بخلاف عنهما وقتادة :
«لمّا» بتشديد الميم، وقال أبو الحسن الأخفش :«لمّا» بمعنى : إلا، لغة مشهورة في هذيل وغيرهم، يقال :
أقسمت عليك لمّا فعلت كذا، أي إلا فعلت كذا، ومعنى هذه الآية فيما قال قتادة وابن سيرين وغيرهما : إن كل نفس مكلفة فعليها حافظ يحصي أعمالها ويعدها للجزاء عليها، وبهذا الوجه تدخل الآية في الوعيد الزاجر، وقال الفراء، المعنى : عَلَيْها حافِظٌ يحفظها حتى يسلمها إلى القدر، وهذا قول فاسد المعنى لأن مدة الحفظ إنما هي بقدر، وقال أبو أمامة : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في تفسير هذه الآية إن لكل نفس حفظة من اللّه تعالى يذبون عنها كما يذب عن العسل، ولو وكل المرء إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الطير والشياطين، وقوله تعالى : فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ، توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة، أي أن البعث جائز ممكن، ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضابا وإسراعا إلى إقامة الحجة، إذ لا جواب لأحد إلا هذا، ودافِقٍ، قال كثير : هو بمعنى : مدفوق، وقال الخليل وسيبويه : هو على النسب أي ذي دفق، والدفق : دفق الماء بعضه إلى بعض، تدفق الوادي والسيل، إذا جاء يركب بعضه بعضا، ويصح أن يكون الماء دافقا، لأن بعضه يدفع بعضا، فمنه دافِقٍ ومنه مدفوق. وقوله تعالى : يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ، قال قتادة والحسن وغيره : معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه، وقال سفيان وقتادة أيضا وجماعة : من بين صلب الرجل وترائب المرأة، والضمير في يَخْرُجُ يحتمل أن يكون للإنسان، ويحتمل أن يكون للماء، وقرأ الجمهور :«الصلب»، وقرأ أهل مكة وعيسى :
«الصلب» بضم اللام على الجميع، والتريبة من الإنسان : ما بين الترقوة إلى الثدي، وقال أبو عبيدة : معلق الحلي على الصدر، وجمع ذلك : ترائب ومنه قول الشاعر [المثقب العبدي ] :[الوافر]
ومن ذهب يسن على تريب كلون العاج ليس بذي غضون
وقال امرؤ القيس :[الطويل ] ترائبها مصقولة كالسجنجل فجمع التريبة وما حولها فجعل ذلك ترائب، وقال مكي عن ابن عباس : إن الترب أطراف المرء ورجلاه ويداه وعيناه، وقال معمر : التَّرائِبِ، جمع تريبة، وهي عصارة القلب، ومنها يكون الولد، وفي هذه الأقوال تحكم على اللغة، وقال ابن عباس : التَّرائِبِ موضع القلادة، وقال أيضا : هي ما بين ثدي المرأة، وقال ابن جبير : هي أضلاع الرجل التي أسفل الصلب، وقال مجاهد : هي الصدر، وقال هي التراقي، وقيل هي ما بين المنكبين والصدر.