المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥٠٧
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة البيّنةوهي مكية في قول جمهور المفسرين، وقال ابن الزبير وعطاء بن يسار إنها مدنية والأول أشهر.
قوله عز وجل :
[سورة البينة (٩٨) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)
وفي حرف أبي بن كعب :«ما كان الذين»، وفي حرف ابن مسعود :«لم يكن المشركين وأهل الكتاب منفكين». وقوله تعالى : مُنْفَكِّينَ معناه منفصلين متفرقين، تقول انفك الشيء عن الشيء إذا انفصل عنه، وما انفك التي هي من أخوات كان لا مدخل بها في هذه الآية، ونفى في هذه الآية أن تكون هذه الصنيعة منفكة، واختلف الناس عماذا، فقال مجاهد وغيره : لم يكونوا مُنْفَكِّينَ عن الكفر والضلال حتى جاءتهم البينة، وأوقع المستقبل موضع الماضي في تَأْتِيَهُمُ، لأن باقي الآية وعظمها لم يرده بعد، وقال الفراء وغيره : لم يكونوا مُنْفَكِّينَ عن معرفة صحة نبوة محمد عليه السلام، والتوكف لأمره حتى جاءتهم البينة تفرقوا عند ذلك، وذهب بعض النحويين إلى هذا النفي المتقدم مع مُنْفَكِّينَ يجعلها تلك التي هي مع كان، ويرى التقدير في خبرها عارفين أمر محمد أو نحو هذا، ويتجه في معنى الآية قول ثالث بارع المعنى، وذلك أن يكون المراد لم يكن هؤلاء القوم مُنْفَكِّينَ من أمر اللّه تعالى وقدرته ونظره لهم حتى يبعث إليهم رسولا منذرا تقوم عليهم به الحجة، وتتم على من آمن النعمة، فكأنه قال : ما كانوا ليتركوا سدى وبهذا المعنى نظائر في كتاب اللّه تعالى، وقرأ بعض الناس :«و المشركون» بالرفع، وقرأ الجمهور :
«والمشركين» بالخفض ومعناهما بين، والْبَيِّنَةُ معناه : القصة البينة والجلية، والمراد محمد عليه السلام، وقرأ الجمهور :«رسول اللّه» بالرفع وقرأ أبي :«رسولا» بالنصب على الحال، والصحف المطهرة : القرآن في صحفه، قاله الضحاك وقتادة، وقال الحسن الصحف المطهرة في السماء، وقوله عز وجل : فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ فيه حذف مضاف تقديره فيها أحكام كتب وقيمة : معناه قائمة معتدلة آخذة للناس