المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥١٤
الموريات قَدْحاً : هي الألسن، فهذا على الاستعارة أي ببيانها تقدح الحجج وتظهرها. وقال مجاهد :
الموريات قَدْحاً، يريد به مكر الرجال، وقال قتادة :«الموريات»، الخيل تشعل الحرب، فهذا أيضا على الاستعارة البينة، وقال ابن عباس أيضا وجماعة من العلماء : الكلام عام يدخل في القسم كل من يظهر بقدحه نارا، وذلك شائع في الأمم طول الدهر وهو نفع عظيم من اللّه تعالى، وقد وقف عليه في قوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ [الواقعة : ٧١] معناه : تظهرون بالقدح، قال عدي بن زيد :
[الخفيف ]
فقدحنا زنادا وورينا فوق جرثومة من الأرض نار
وقوله تعالى : فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً قال علي وابن مسعود : هي الإبل من مزدلفة إلى منى أو في بدر، والعرب تقول : أغار إذا عدا جريا ونحوه، وقال ابن عباس وجماعة كثيرة : هي الخيل واللفظة من الغارة في سبيل اللّه وغير ذلك من سير الأمم، وعرف الغارات أنها مع الصباح لأنها تسري ليلة الغارة والنقع : الغبار الساطع المثار، وقرأ أبو حيوة :«فأثّرن» بشد الثاء، والضمير في : بِهِ ظاهر أنه للصبح المذكور، ويحتمل أن يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى وإن كان لم يجر له ذكر، ولهذا أمثلة كثيرة، ومشهورة إثارة النقع هو للخيل ومنه قول الشاعر [البسيط]
يخرجن من مستطير النقع دامية كأن آذانها أطراف أقلام
وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : هو هنا الإبل تثير النقع بأخفافها، وقوله تعالى : فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال ابن عباس وعلي : هي الإبل، وجَمْعاً : هي المزدلفة، وقال ابن عباس : هي الخيل، والمراد جمع من الناس هم المغيرون، وقرأ علي بن أبي طالب وقتادة وابن أبي ليلى :«فوسّطن» بشد السين. وقال بشر بن أبي حازم :[الكامل ]
فوسطن جمعهم وأفلت حاجب تحت العجاجة في الغبار الأقتم
وذكر الطبري عن زيد بن أسلم : أنه كان يكره تفسير هذه الألفاظ، ويقول : هو قسم أقسم اللّه به، وجمهور الأمة وعلماؤها مفسرون لها كما ذكرنا، والقسم واقع على قوله : إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«أ تدرون ما الكنود؟ قالوا لا يا رسول اللّه، قال : هو الكفور الذي يأكل وحده ويمنع رفده، ويضرب عبده». وقد يكون من المؤمنين الكفور بالنعمة، فتقدير الآية : إن الإنسان لنعمة ربه لكنود، وأرض كنود لا تنبت شيئا، وقال الحسن بن أبي الحسن : الكنود اللائم لربه الذي يعد السيئات وينسى الحسنات، والكنود العاصي بلغة كندة، ويقال للخيل كنود، وقال أبو زبيد :[الخفيف ]
إن تفتني فلم أطب بك نفسا غير أني أمنى بدهر كنود
وقال الفضيل : الكنود الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة ويعامل اللّه على عقد عوض، وقوله تعالى : وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ يحتمل الضمير أن يعود على اللّه تعالى، وقاله قتادة : أي وربه شاهد عليه، وتفسير هذا الخبر يقتضي الشهادة بذلك، ويحتمل أن يعود على «الإنسان» أي أفعاله وأقواله وحاله