المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٩٣
غافِلُونَ للكفار، أي ضلالهم بأنهم يدعون من لا يستجيب فلا يتأملون ما عليهم في دعاء من هذه صفته.
وقوله تعالى : كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وصف لما يكون يوم القيامة بين الكفار وأصنامهم من التبري والمناكرة، وقد بين ذلك في غير هذه الآية. وذلك قوله تعالى حكاية عنهم : تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ [القصص : ٦٣].
قوله عز وجل :
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٧ الى ٩]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)
الآيات المذكورة هي آيات القرآن، بدليل قوله : تُتْلى وبقول الكفار : هذا سِحْرٌ وإنما قالوا ذلك عن القرآن من حيث قالوا : هو يفرق بين المرء وبين ولده، وبينه وبين زوجه، إلى نحو هذا مما يوجد مثله للسحر بالوجه الأخس.
وقوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، أَمْ مقطوعة مقدرة ب (بل) وألف الاستفهام. و: افْتَراهُ معناه : اشتقه واختلقه، فأمره اللّه تعالى أن يقول : إِنِ افْتَرَيْتُهُ فاللّه حسبي في ذلك، وهو كان يعاقبني ولا يمهلني. ثم رجع القول إلى الاستسلام إلى اللّه تعالى والاستنصار به عليهم وانتظار ما يقتضيه علمه بِما تُفِيضُونَ فِيهِ من الباطل ومرادة الحق، وذلك يقتضي معاقبتهم، ففي اللفظة تهديد. والضمير في قوله :
فِيهِ يحتمل أن يعود على القرآن، ويحتمل العودة على بِما. والضمير في : بِهِ عائد على اللّه تعالى. و: بِهِ في موضع رفع، وأفاض الرجل في الحديث والسب ونحوه : إذا خاض فيه واستمر.
وقوله : وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ترجية واستدعاء إلى التوبة، لأنه في خلال تهديده إياهم باللّه تعالى جاءت هاتان الصفتان. ثم أمره تعالى أن يحتج عليهم بأنه لم يكن بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ، أي قد جاء غيري قبلي، قاله ابن عباس والحسن وقتادة. والبدع والبديع من الأشياء ما لم ير مثله، ومنه قول ترجمة عدي بن زيد :[الطويل ]
فما أنا بدع من حوادث تعتري رجالا عرت من بعد بؤسى وأسعد
وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة وأبو حيوة :«بدعا» بفتح الدال. قال أبو الفتح، التقدير : ذا بدع فحذف المضاف كما قال [النابغة الجعدي ] :[المقارب ]
وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب