للجميع مدى توافق هذا البنيان وإحكامه ودقة تصميمه.
ولو أنك أخذت كلام أي إنسان لمدة سنة واحدة فقط، ثم أردت أن تجعل منه موضوعا متناغما، أو أفكارا منسجمة مع بعض لما استطعت إلى ذلك سبيلا.
ثم دلل على ذلك بأطول سورة في القرآن، وهي البقرة التي نزلت على مدار تسع سنوات، ونزل في أثنائها أغلب السور المدنية، ومع هذا كان بناء سورة البقرة في غاية الإحكام ولم تختلط به أي آية من غيره.
قال دراز -رحمه الله- في نظام عقد المعاني في سورة البقرة (١) :(اعلم أن هذه السورة على طولها تتألف وحدتها من: مقدمة، وأربعة مقاصد، وخاتمة، على هذا الترتيب:
المقدمة: في التعريف بشأن هذا القرآن وبيان أن ما فيه من الهداية قد بلغ حدا من الوضوح لا يتردد فيه ذو قلب سليم، وإنما يعرض عنه من لا قلب له أو من كان في قلبه مرض.
المقصد الأول: في دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام.
المقصد الثاني: في دعوة أهل الكتاب إلى اعتناق الإسلام.
المقصد الثالث: في عرض شرائع هذا الدين تفصيلا.
المقصد الرابع: ذكر الوازع والنازع الديني الذي يبعث على ملازمة تلك الشرائع ويعصم عن مخالفتها.
الخاتمة: في التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة لتلك المقاصد، وبيان ما يرجى لهم في آجلهم وعاجلهم). ثم دلل على كل ما سبق تدليلا واضحا للعيان مدى مطابقته
_________
(١) النبأ العظيم (ص: ١٦٣).


الصفحة التالية
Icon