ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه فيما سأله من صفة النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال هرقل لأبي سفيان: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: فقلت: لا. وكان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين، ومع هذا اعترف بالحق، والفضل ما شهدت به الأعداء، فقال له هرقل: لقد عرفت إنه لم يكن ليدع الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله، وقال جعفر ابن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة: بعث الله فينا رسولا نعرف صدقه ونسبه وأمانته، وقد كانت مدة مقامه عليه السلام بين أظهرنا قبل النبوة أربعين سنة) (١).
٦- اتهام النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه شاعر، أو مسحور أو ساحر، أو كاهن يتلقاه من الشياطين، أو مجنون، أو أن ما يتلقاه هو أضغاث أحلام:
﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥].
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ () وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ () وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ () تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( [الحاقة: ٤٠-٤٣].
﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [التكوير: ٢٥].
﴿... إذ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ٤٧].
﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٢].
﴿وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦].
ويلاحظ في هذه التهم التخبط العجيب والتناقض الغريب، فتارة
_________
(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٢/٤١١).


الصفحة التالية
Icon