والامتحان مظهر لمختلف القلوب الثلاثة، فالقاسية والمريضة ظهر خبؤها من الشك والكفر، والمخبتة ظهر خبؤها من الإيمان والهدى وزيادة محبته وزيادة بغض الكفر والشرك والنفرة عنه، وهذا من أعظم حكمة هذا الإلقاء) (١).
ومن هذا القبيل أيضاً قوله تعالى: ﴿وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلّا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلّا طغياناً كبيراً﴾ [الاسراء: ٦٠].
قال ابن كثير - بعدما ذكر تفسير ابن عباس: أن الرؤيا هي ليلة الإسراء، والشجرة هي شجرة الزقوم -: (وهكذا فسر ذلك بليلة الإسراء مجاهد وسعيد بن جبير والحسن ومسروق وإبراهيم وقتادة وعبد الرحمن بن زيد، وغير واحد، وتقدم أن ناساً رجعوا عن دينهم بعدما كانوا على الحق؛ لأنه لم تحتمل عقولهم وقلوبهم ذلك، فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، وجعل الله ذلك ثباتاً ويقيناً لآخرين، ولهذا قال: (إلاّ فتنة (. أي اختبارًا وامتحاناً، وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم، كما أخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه رأى الجنة والنار، ورأى شجرة الزقوم، فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل - لعنه الله-: هاتوا تمرا وزبداً، فجعل يأكل هذا بهذا ويقول: تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا) (٢).
فهذا كله يدل على أن الله يختبر عباده بما شاء، وإنزاله المتشابه من هذا فإنه فتنة، وقد ضل به كثير ممن ضل عن الحق، كما رفع الله به أهل الإيمان بيقينهم، ورسوخهم درجات من عنده.
_________
(١) شفاء العليل لابن القيم ص: ١٩٣، تحقيق محمد بدر الدين الحلبي، دار الفكر، بيروت، ١٩٧٨.
(٢) تفسير ابن كثير (٣/٤٨)، مكتبة دار التراث، القاهرة.