وأفهامهم، فدل على أنه منزل من عند الله، وأنه الذي أعجزهم عن الوقوف) (١).
وهو ضعيف؛ لأنه قد تقرر تضعيف القول باشتمال القرآن على ما لا يمكن معرفة معناه، لكن إذا قيل: إن هذا من حكمة إنزال المتشابه بالنسبة لبعض العباد، وهو البعض الذي لم يعلم معنى المتشابه، صح من هذه الجهة.
وأما قوله: (إقامة الحجة عليهم... إلى آخر ما ذكر) فبعيد؛ وذلك لأن ما لا يفهم له معنى، فاحتجاج المشركين به على الطعن في القرآن، أقرب من الاحتجاج به عليهم أنه معجز، ولا يخفى أنهم لو قالوا: لو أنزل هذا القرآن كله بلغتنا ولساننا، لما عجزنا عن فهم بعضه. ولجاءوا بقوي من الحجة تسوغ لهم الطعن في القرآن، فكيف يجعل عدم فهمهم لمعناه دليلاً على نزوله بلغتهم؟! ولكن بلغ من الإعجاز بحيث لا يفهمون معناه؛ فما أبعد هذا.
ومما قيل في الحكمة وهو باطل قطعاً، قولان:
الأول: وهو أبطل قول، ونعني به ما ذكره الرازي وجعله الأقوى، قال: (والخامس وهو السبب الأقوى: أن القرآن مشتمل على دعوة الخواص، والعوام تنبو في أكثر الأمور عن إدراك الحقائق العلمية المحضة، فمن سمع من أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه، ظن أن هذا عدم محض، فوقع في التعطيل، فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما تخيلوه وتوهموه، ويكون مخلوطاً بما يدل على الحق الصريح، فالقسم الأول وهو الذي يخاطبون به في أول الأمر يكون من باب المتشابهات،
_________
(١) المصدر السابق (٢/١٦).