قوله تعالى :﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴾ [الحج : ٤٥].
خاوية : خالية، وعروشها : سقوفها، هذا قول الضحاك، والمشيد : المجصص وهو المبني بالشيد وهو الحجارة والجيار، قال قتادة : مشيد رفيع، قال عدي بن زيد :
شاده مرمراً وجلله كلـ سا فللطير في ذراه وكور
وقال آخر :
كحية الماء الطي والشيد
وقد عاب قوم من الملحدة قوله تعالى :﴿ وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴾ وقالوا : ما الفائدة في ذكر : بئر معطلة وقصر مشيد، وأبدوا فيه وأعادوا، وهذا لجهلهم بجوهر الكلام وغامض المعاني وإشارة البلاغة ؛ لأن الله تعالى ذكر هذا وما أشبهه على طريق العظة ليعتبر بذلك، ألا تراه تعالى قال :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الحج : ٤٦]، يريد : لو ساروا لرأوا آثار قوم أهلكهم وأبادهم، ومازالت العرب تصف ذلك في خطبها ومقامتها، يروى عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه كان يقول في خطبته :(أين بانو المدائن ومحصنوها بالحوائط، أين مشيدو القصور وعامروها، أين جاعلو العجيب فيها لمن بعدهم، تلك منازلهم خاوية، وهذه منازلهم في القبور خالية ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴾ [مريم : ٩٨]) وكان سلمان إذا مر بخراب قال : يا خرب الخربين أين أهلك الأولون ؟.