معاني القرآن، ج ١، ص : ١٩٤
و أمّا الذي على الشرط مما لا يجوز رفعه فقوله : اضرب أخاك ظالما أو مسيئا، تريد : اضربه فى ظلمه وفى إساءته. ولا يجوز هاهنا الرفع فى حاليه لأنهما متعلقتان بالشرط. وكذلك الجمع تقول : ضربت القوم مجرّدين أو لابسين، ولا يجوز : مجردون ولا لابسون إلا أن تستأنف فتخبر، وليس بشرط للفعل ألا ترى أنك لو أمرت بضربهم فى هاتين الحالين لم يكن فعلهم إلا نصبا فتقول :
اضرب القوم مجرّدين أو لابسين لأن الشرط فى الأمر لازم. وفيما قد مضى يجوز أن تجعله خبرا وشرطا. فلذلك جاز الوجهان فى الماضي.
وقوله : يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ زعم بعض من روى عن ابن عبّاس أنه قال :
رأى المسلمون المشركين فى الحزر ستمائة وكان المشركون تسعمائة وخمسين، فهذا وجه. وروى قول آخر كأنه أشبه بالصواب : أن المسلمين رأوا المشركين على تسعمائة وخمسين والمسلمون قليل ثلاثمائة وأربعة عشر، فلذلك قال :«قَدْ كانَ لَكُمْ» يعنى اليهود «آيَةٌ» فى قلّة المسلمين وكثرة المشركين.
فإن قلت : فكيف جاز أن يقال «مِثْلَيْهِمْ» يريد ثلاثة أمثالهم؟ قلت :
كما تقول وعندك عبد : أحتاج إلى مثله «١»، فأنت محتاج إليه وإلى مثله، وتقول :
أحتاج إلى مثلى عبدى، فأنت إلى ثلاثة محتاج. ويقول الرجل : معى ألف وأحتاج إلى مثليه، فهو يحتاج إلى ثلاثة. فلمّا نوى أن يكون الألف داخلا فى معنى المثل صار المثل اثنين والمثلان ثلاثة. ومثله فى الكلام أن تقول :
أراكم مثلكم، كأنك قلت : أراكم ضعفكم، وأراكم مثليكم يريد ضعفيكم، فهذا على معنى الثلاثة.

(١) فى القرطبي ٤/ ٦ بعد إيراد قول الفرّاء :«و هو بعيد غير معروف فى اللغة. قال الزجاج :
و هذا باب الغلط، فيه غلط فى جميع المقاييس لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له، ونعقل مثليه ما يساويه مرتين»
.


الصفحة التالية
Icon