معاني القرآن، ج ١، ص : ١٩٥
فإن قلت : فقد قال فى سورة الأنفال : وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ «١» فكيف كان هذا هاهنا تقليلا، وفى الآية الأولى تكثيرا؟
قلت : هذه آية المسلمين أخبرهم بها، وتلك الآية لأهل الكفر. مع أنك تقول فى الكلام : إنى لأرى كثيركم قليلا، أي قد هوّن علىّ، لا أنى أرى الثلاثة اثنين.
ومن قرأ (ترونهم) ذهب إلى اليهود لأنه خاطبهم، ومن قال (يرونهم) فعلى ذلك كما قال : حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «٢» وإن شئت جعلت (يرونهم) للمسلمين دون اليهود.
وقوله : وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ... (١٤)
واحد القناطير قنطار. ويقال إنه ملء مسك ثور ذهبا أو فضّة، ويجوز (القناطير) «٣» فى الكلام، والقناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة «٤». كذلك سمعت، وهو المضاعف.
وقوله : قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ... (١٥)
ثم قال لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ فرفع الجنات باللام «٥». ولم يجز ردّها على أوّل الكلام لأنك حلت بينهما باللام، فلم يضمر خافض وقد حالت اللام
(٢) آية ٢٢ سورة يونس. وتضرب الآية مثلا لما يسمونه الالتفات وهو الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، وما جرى هذا المجرى. وهو من تلوين الخطاب.
(٣) أي بالرفع عطفا على «حُبُّ الشَّهَواتِ» وقوله :«فى الكلام» أي فى غير القرآن إذ لم ترد بهذا القراءة. هذا والأقرب أن الأصل :«و يجوز القناطر فى الكلام» أي أنه يجوز حذف الياء فى الجمع فيقال القناطر. وهذا رأى الكوفيين : يجوز أن يقال فى العصافير العصافر.
(٤) يرى الفرّاء أن معنى «القناطر المقنطرة» : القناطير التي بلغت أضعافها أي بلغت ثلاثة أمثالها.
وأقلّ القناطير ثلاثة، فثلاثة أمثالها تسعة. وفى القرطبي ٤/ ٣١ :«و روى عن الفرّاء أنه قال : القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع فيكون تسع قناطير».
(٥) يريد أن «جنات» مبتدأ خبره «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا» والمبتدأ والخبر عندهم يترافعان، فرافع المبتدأ هو الخبر.