معاني القرآن، ج ١، ص : ٢٤
وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً. المعنى - واللّه أعلم - وقد كنتم، ولو لا إضمار «قد» لم يجز مثله فى الكلام «١». ألا ترى أنه قد قال فى سورة يوسف :«إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ» «٢». المعنى - واللّه أعلم - فقد كذبت. وقولك للرجل : أصبحت كثر مالك، لا يجوز إلّا وأنت تريد : قد كثر مالك لأنهما جميعا قد كانا، فالثانى حال للأوّل، والحال لا تكون إلا بإضمار «قد» أو بإظهارها ومثله فى كتاب اللّه :
«أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» «٣» يريد - واللّه أعلم - [جاءوكم قد حصرت صدورهم «٤»]. وقد قرأ بعض القرّاء - وهو الحسن البصرىّ - «خصرة صدورهم».
كأنه لم يعرف الوجه فى «٥» أصبح عبد اللّه قام أو أقبل أخذ شاة، كأنّه يريد فقد أخذ شاة. وإذا كان الأوّل لم يمض لم يجز الثاني بقد ولا بغير قد، مثل قولك : كاد قام، ولا أراد قام لأنّ الإرادة شىء يكون ولا يكون الفعل، ولذلك كان محالا قولك : عسى قام لأن عسى وإن كان لفظها على فعل فإنها لمستقبل «٦»، فلا يجوز عسى قد قام، ولا عسى قام، ولا كاد قد قام، ولا كاد قام لأن ما بعدهما لا يكون

(١) جرى الفراء فى هذا على القاعدة المقررة عند الجمهور أن الجملة الفعلية الماضوية المثبتة إذا وقعت حالا فلا بد من «قد» ظاهرة أو مقدرة لتقربه من الحال نحو «و قد فصل لكم ما حرم عليكم»، «و قد بلغني الكبر». فإن لم تكن ظاهرة قدرت نحو «أو جاءوكم حصرت صدورهم»، «هذه بضاعتنا ردت إلينا» وذلك أيضا قول المبرد وأبى على الفارسي. قال أبو حيان :«و الصحيح جواز وقوع الماضي حالا بدون «قد» ولا يحتاج إلى تقديرها لكثرة ورود ذلك، وتأويل الكثير ضعيف جدا لأنا إنما نبنى المقاييس العربية على وجود الكثرة. وهذا مذهب الأخفش، ونقل عن الكوفيين، بل نقله بعضهم عن الجمهور أيضا.
(٢) آية ٢٧ من السورة المذكورة.
(٣) آية ٩٠ سورة النساء.
(٤) ما بين المربعين ساقط من أ.
(٥) فى ج، ش «كأنه لم يعرف إجازة أصبح... إلخ».
(٦) فى أ: «لمستقبل فيستقبل».


الصفحة التالية
Icon