معاني القرآن، ج ١، ص : ٢٧
فجزم. ومعنى الجزم كأنّه تكرير النهى، كقول القائل : لا تذهب ولا تعرض لأحد. ومعنى الجواب والنّصب لا تفعل هذا فيفعل بك مجازاة، فلمّا عطف حرف على غير ما يشاكله وكان فى أوّله حادث لا يصلح فى الثاني نصب. ومثله قوله :«وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي» «١» و«لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ» «٢» و«فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» «٣». وما كان من نفى ففيه ما فى هذا، ولا يجوز الرفع فى واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف بخلاف المعنيين كقولك للرجل : لا تركب إلى فلان فيركب إليك تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف، وقد قال الشاعر :
ألم تسأل الرّبع القديم فينطق وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق «٤»
أراد : ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها، كما قال زهير بن أبى سلمى المزنىّ :
قف بالدّيار التي لم يعفها القدم بلى وغيّرها الأرواح والدّيم
فأكذب نفسه. وأمّا قوله :«وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ» «٥» فإنّ جوابه قوله :«فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» والفاء التي فى قوله :«فَتَطْرُدَهُمْ»
(٢) آية ٦١ سورة طه.
(٣) آية ١٢٩ سورة النساء.
(٤) البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذرى، ويروى صدره :
ألم تسأل الربع القواء فينطق والقواء : القفر الذي لا ينبت. والبيداء : القفر الذي يبيد من سلكه أي يهلكه. والسملق : الأرض التي لا تنبت شيئا أو السهلة المستوية الخالية. وانظر الخزانة ٣/ ٦٠١
(٥) آية ٥٢ سورة الأنعام.