معاني القرآن، ج ١، ص : ٣٣
ما أدّت «من» عنه من التأنيث والجمع وهو فى لفظ توحيد. ولا يجوز فى مثله من الكلام أن تقول : أنتم أفضل رجل، ولا أنتما خير رجل لأن الرجل يثّنى ويجمع ويفرد [فيعرف «١»] واحده من جمعه، والقائم قد يكون لشىء ولمن فيؤدّى عنهما وهو موحّد ألا ترى أنك قد تقول : الجيش مقبل والجند منهزم، فتوحّد الفعل لتوحيده، فإذا صرت إلى الأسماء قلت : الجيش رجال والجند رجال ففى هذا تبيان «٢» وقد قال الشاعر :
و إذا هم طعموا فألأم طاعم وإذا هم جاعوا فشرّ جياع «٣»
فجمعه وتوحيده جائز حسن.
وقوله : وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) إن شئت جعلت «وَ تَكْتُمُوا» فى موضع جزم تريد به : ولا تلبسوا الحقّ بالباطل ولا تكتموا الحقّ، فتلقى «لا» لمجيئها فى أوّل الكلام. وفى قراءة أبىّ :
«و لا تكونوا أوّل كافر به وتشتروا بآياتى ثمنا قليلا» فهذا دليل على أنّ الجزم فى قوله :«وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ» مستقيم صواب، ومثله :«وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ» «٤» وكذلك قوله :«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» «٥» وإن شئت جعلت هذه الأحرف المعطوفة بالواو نصبا على ما يقول النحويّون من الصّرف فإن قلت : وما الصّرف؟

(١) ساقط من أ. [.....]
(٢) راجع تفسير الطبري ج ١ ص ١٩٩ طبع بولاق فى هذا البيان فعبارته أوضح.
(٣) من ثلاثة أبيات فى نوادر أبى زيد ١٥٢، نسبها إلى رجل جاهلىّ.
(٤) آية ١٨٨ سورة البقرة.
(٥) آية ٢٧ سورة الأنفال.


الصفحة التالية
Icon