معاني القرآن، ج ١، ص : ٤١٧
و قوله : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (٦٣) : بين قلوب الأنصار من الأوس والخزرج كانت بينهم حرب، فلمّا دخل المدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصلح اللّه به وبالإسلام ذات بينهم.
وقوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ (٦٤) جاء التفسير : يكفيك اللّه ويكفى من اتبعك فموضع الكاف فى (حسبك) خفض. و(من) فى موضع نصب على التفسير كما قال الشاعر :
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا فحسبك والضّحاك سيف مهنّد «١»
و ليس بكثير من كلامهم أن يقولوا : حسبك وأخاك، حتى يقولوا : حسبك وحسب أخيك، ولكنا أجزناه لأن فى (حسبك) معنى واقع من الفعل، رددناه «٢» على تأويل الكاف لا على لفظها كقوله إِنَّا «٣» مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ فردّ الأهل على تأويل الكاف.
وإن شئت جعلت (من) فى موضع رفع، وهو أحبّ الوجهين إلىّ لأن التلاوة تدلّ على معنى «٤» الرفع ألا ترى أنه قال :
إن يكن منكم عشرون صبرون يغلبوا مائتين (٦٥) فكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يغزى أصحابه على أنّ العشرة للمائة، والواحد للعشرة، فكانوا كذلك، ثم شقّ عليهم أن يقرن «٥» الواحد للعشرة فنزل :

(١) نسبه فى ذيل الأمالى ١٤٠ إلى جرير. وقال فى السمط ٨٩٩ :«نسبه القالي لجرير.
وعليه العهدة»
.
(٢) أي رددنا المنصوب على تأويل الكاف وتقدير أنها منصوبة إذ هى فى معنى المفعول، فكأنه قيل : يكفيك. ولم يرد على لفظ الكاف فإن لفظها خفض بالإضافة. [.....]
(٣) آية ٣٣ سورة العنكبوت.
(٤) وهو أن المؤمنين بإعانة اللّه يكفون الرسول عليه الصلاة والسلام غوائل الأعداء، والآية الآتية تدل على هذا إذ فيها أنه تعالى ضمن للقليل من المؤمنين النصرة على من يزيد عليهم أضعافا فى العدد من المشركين.
(٥) يقال. أقرن الشيء : أطاقه وقدر عليه.


الصفحة التالية
Icon