معاني القرآن، ج ١، ص : ٩٩
و قوله : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ... (١٧١)
أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثم شبّههم بالراعي. ولم يقل : كالغنم. والمعنى - واللّه أعلم - مثل الذين كفروا (كمثل البهائم) «١» التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها : أرعى أو اشربى، لم تدر ما يقول لها. فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن وإنذار الرسول. فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى - واللّه أعلم - فى المرعىّ. وهو ظاهر فى كلام العرب أن يقولوا :
فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى : كخوفه الأسد لأن الأسد هو المعروف بأنه «٢» المخوف «٣». وقال الشاعر «٤» :
لقد خفت حتى ما تزيد مخافتى على وعل فى ذى المطارة عاقل «٥»
و المعنى : حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتى. وقال الآخر «٦» :
كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرّجم
و المعنى : كما كان الرجم فريضة الزناء. فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحّتها لاتّضاح المعنى عند العرب. وأنشدنى بعضهم :
إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره «٧»
و العين لا تحلى به، إنما يحلى هو بها.

(١) فى أ: «كالبهائم».
(٢) فى أ: «أنه».
(٣) فى أ: «مخوف».
(٤) هو النابغة الذبيانىّ. وانظر الديوان.
(٥) ذو المطارة : اسم جبل. وفى معجم البلدان فى رواية البيت : من ذى مطارة. و(عاقل) : صفة وعل. يقال : عقل الظبى والوعل إذا امتنع وصعد فى الجبل العالي. وانظر أمالى ابن الشجري ١/ ٥٢
(٦) هو النابغة الجعدىّ. وانظر اللسان (زنى) والإنصاف ١٦٥، والخزانة ٤/ ٣٢. [.....]
(٧) يقال : حلى الشيء بعيني إذا أعجبك، ومن ثم كان ما فى البيت من المقلوب. ويقال :
جهرت فلانا إذا راعك وأعجبك. والرجز فى اللسان (حلى)، وهو فى مدح من يدعى سراجا.


الصفحة التالية
Icon