معاني القرآن، ج ٢، ص : ١٠٤
فدلّ مجىء أحدها هنا على أنه لم يرد أن يكون ما جاء من النكرات حالا للأسماء التي قبلها، ودلّ على أنه مترجم «١» عن «٢» معنى من وما. وممّا يدلّ أيضا قول اللّه عزّ وجلّ (وَ ما أَنْفَقْتُمْ «٣» مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) لأن الشيء لا يكون حالا، ولكنه اسم مترجم.
وإنما ذكرت هذا لأن العرب تقول : للّه درّه من رجل، ثم يلقون (من) فيقولون للّه درّه رجلا.
فالرجل مترجم (لما «٤» قبله) وليس بحال، إنّما الحال التي تنتقل مثل القيام والقعود، ولم ترد للّه درّه فى حال رجوليّته فقط، ولو أردت ذلك لم تمدحه كلّ المدح لأنك إذا قلت : للّه درّك قائما، فإنما تمدحه فى القيام وحده.
فإن قلت : فكيف جاز سقوط من فى هذا الموضع؟ قلت من قبل أن الذي قبله مؤقت فلم أبل أن يخرج بطرح من كالحال، وكان فى الجزاء غير موقت فكرهوا أن تفسّر حال عن اسم غير موقّت فألزموها من. فإن قلت : ٩٥ ب قد قالت العرب : ما أتانى من أحد وما أتانى أحد فاستجازوا إلقاء من. قلت : جاز ذلك إذ لم يكن قبل أحد وما أتى مثله شىء يكون الأحد له حالا فلذلك قالوا :
ما جاءنى من رجل وما جاءنى رجل.
وقوله : وَلَهُ الدِّينُ واصِباً [٥٢] معناه : دائما. يقال : وصب يصب : دام. ويقال : خالصا.
وقوله : وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [٥٣] (ما) فى معنى جزاء ولها فعل مضمر، كأنك قلت : ما يكن بكم من نعمة فمن اللّه لأن الجزاء لا بدّ له من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم وإن لم يظهر فهو مضمر كما قال الشاعر :
(٢) ا :«على».
(٣) الآية ٣٩ سورة سبأ.
(٤) سقط فى ا.