معاني القرآن، ج ٢، ص : ١٠٦
أ لا ترى أنك تقول : قد جعلت لنفسك كذا وكذا، ولا تقول : قد جعلت لك. وكلّ فعل أو خافض ذكرته من مكنىّ عائد عليه مكنيّا فاجعل مخفوضه الثاني بالنفس فنقول أنت لنفسك لا لغيرك، ثم تقول فى المنصوب أنت قتلت نفسك وفى المرفوع أهلكتك نفسك ولا تقول أهلكتك.
وإنما أراد بإدخال النفس تفرقة ما بين نفس المتكلّم وغيره. فإذا كان الفعل واقعا من مكنىّ على مكنىّ سواه لم تدخل النفس. تقول غلامك أهلك مالك ثم تكنى عن الغلام والمال فتقول : هو أهلكه، ولا تقول : هو أهلك نفسه وأنت تريد المال، وقد تقوله العرب فى ظننت وأخواتها من رأيت وعلمت وحسبت فيقولون : أظنّنى قائما، ووجدتني صالحا لنقصانهما وحاجتهما إلى خبر سوى الاسم. وربما اضطرّ الشاعر فقال : عدمتنى وفقدتنى فهو جائز، وإن كان قليلا قال الشاعر - وهو جران العود - :
لقد كان بي عن ضرّتين عدمتنى وعمّا ألاقي منهما متزحزح
هى الغول والسعلاة حلقى منهما مخدّش ما فوق التراقى مكدّح
و قوله : ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [٥٨] ولو كان (ظلّ وجهه مسودّ) لكان صوابا تجعل الظلول للرجل ويكون «١» الوجه ومسودّ فى موضع نصب كما قال (وَ يَوْمَ «٢» الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) والظلول إذا قلت [٩٦ ا] (مُسْوَدًّا) للوجه.
وقوله : أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ [٥٩] الهون فى لغة قريش : الهوان وبعض بنى تميم يجعل الهون مصدرا للشىء الهيّن. قال الكسائىّ : سمعت العرب تقول : إن كنت لقليل هون المئونة مذ اليوم. وقال : سمعت
(٢) الآية ٦٠ سورة الزمر.