معاني القرآن، ج ٢، ص : ١٤١
النصب فى المفسّر إذا كان معروف العدد، كقولك : عندى جبّتان خزّا، وأسواران ذهبا، وثلاثة أساور ذهبا. فإذا قلت : عندى أساور ذهبا فلم تبيّن عددها كان بمن، لأن المفسّر ينبغى لما قبله أن يكون معروف المقدار. ومثله قول اللّه تبارك وتعالى (وَ يُنَزِّلُ «١» مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) المعنى : فيها جبال برد، فدخلت (من) لأن الجبال غير معدودة فى اللفظ. ولكنه يجوز كأنك تريد بالجبال والأساور الكثيرة، كقول القائل : ما عنده إلا خاتمان ذهبا قلت أنت : عنده خواتم ذهبا لمّا أن كان ردّا على شىء معلوم العدد فأنزل الأساور والجبال من برد على هذا المذهب.
فأمّا (يُحَلَّوْنَ) فلو قال قائل : يحلون لجاز، لأن العرب تقول : امرأة حالية، وقد حليت فهى تحلى إذا لبست الحلىّ فهى تحلى حليّا وحليا.
وقوله (نِعْمَ الثَّوابُ) ولم يقل : نعمت الثواب، وقال (وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) فأنّث الفعل على معنى الجنّة ولو ذكّر بتذكير المرتفق كان صوابا، كما قال (وَ بِئْسَ «٢» الْمِهادُ)، وبئس «٣» القرار)، (وَ بِئْسَ «٤» الْمَصِيرُ) وكما قال (بِئْسَ «٥» لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) يريد إبليس وذرّيّته، ولم يقل بئسوا.
وقد يكون (بئس) لإبليس وحده أيضا. والعرب توحّد نعم وبئس وإن كانتا بعد الأسماء فيقولون :
أمّا قومك فنعموا قوما، ونعم قوما، وكذلك بئس. وإنما جاز توحيدها لأنهما ليستا «٦» بفعل يلتمس معناه، إنما أدخلوهما لتدلّا على المدح والذمّ، ألا ترى أن لفظهما لفظ فعل «٧» وليس معناهما كذلك، وأنه لا يقال منهما يبأس الرجل زيد، ولا ينعم الرجل أخوك، فلذلك استجازوا الجمع
(٢) الآية ١٩٧ سورة آل عمران. وورد فى مواضع أخر.
(٣) الآية ٢٩ سورة إبراهيم.
(٤) الآية ١٢٦ سورة البقرة. وورد فى مواطن أخر.
(٥) الآية ٥٠ سورة الكهف.
(٦) ا :«ليسا».
(٧) يريد لفظ الفعل الماضي.